منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت

منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت (https://www.egaud.henawhenak.com/vb/index.php/index.php)
-   القانون الجنائي (https://www.egaud.henawhenak.com/vb/index.php/forumdisplay.php?f=71)
-   -   التعدي على الخصوصية وجرائم الأخلاق والآداب العامة عبر شبكة المعلومات العالمية (https://www.egaud.henawhenak.com/vb/index.php/showthread.php?t=19308)

مصطفى احمد 11-05-2013 12:46 PM

التعدي على الخصوصية وجرائم الأخلاق والآداب العامة عبر شبكة المعلومات العالمية
 
ورقة مقدمة لمؤتمر
أمن المعلومات والخصوصية
في ظل قانون الإنترنت
القاهرة 2-4 يونيو2008م
بعنـــوان
التعدي على الخصوصية وجرائم
الأخلاق والآداب العامة
عبر شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)
إعداد:
العقيد دكتور/ راشد بن سالم البادي
مدير عام التطوير والتدقيق بالوكالة
شرطة عمــــان السلطانية
سلطنة عمـــان


********************************************
*************************************
****************************

المصدر




* تتناول هذه الورقة محورين هما:

· المحور الأول: التعدي على الخصوصية ويتضمن:
1- الأمن الشخصي وأثر المعلومات فيه.
2- الحق في الإقامة والتنقل وحرمة المساكن وأثر المعلومات فيه .

· المحور الثاني : جرائم الأخلاق والآداب العامة ويتضمن :
1- الصعوبات.
2- تحديد مفهوم الآداب والأخلاق العامة عبر الإنترنت .
3- الأفعال العلنية في القانونين العماني والمصري.

· الخــــلاصة .











التعدي على الخصوصية
وجرائم الأخلاق والآداب العامة
مما لا شك فيه إن تطور التقنيات الحديثة، والتوسع في إستخدامها، أدى بدوره إلى تطور المؤسسات العامة والخاصة بصفةٍ عامة والمؤسسات الأمنية بصفةٍ خاصة، في كافة أوجه الأداء الأمني والإداري والإجتماعي والإقتصادي لدى المؤسسات المختلفة، ومن بينها المؤسسات الأمنية، فنجد أن هذا التطور شمل رفع جودة وكفاءة الأداء من حيث التنظيم، السرعة في إنجاز الأعمال، الدقة في الأداء، كما أدى إلى إنخفاض التكلفة نوعاً ما.
إلا أن ذلك - في المقابل – أفرز جرائم جنائية متعددة ومتنوعة، يمكن إرتكابها بنفس النوعية التي تؤدي بها الأعمال المشروعة، من حيث السرعة والسهولة في إرتكابها، والدقة في تنفيذها، وانخفاض التكلفة في إرتكابها، بالإضافة إلى إنخفاض معدل إكتشاف مرتكبها .
ونظراً لأهمية هذا الجانب فإنه سوف يتم التطرق إليه في محورين
المبحــث الأول : التعـــــــــدي على الخصوصية .
المبحث الثاني : جرائم الأخلاق والآداب العامة .
وذلك على التفصيل التالي :

المحور الأول
التعدي على الخصوصية
تعتبر الخصوصية من ضمن أكثر الموضوعات إثارةً للجدل في عالمنا المعاصر، وتمثل الخصوصية موضوعاً للعديد من الكتب الثقافية والمؤلفات العلمية والجماعات الثقافية ونشرات الأنباء الخاصة والبحوث النظرية، وصفحات شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، وقد نتج عن كثرة الجدل الدائر حول حماية الخصوصية ومداها وماهيتها واستثناءاتها لعدد كبير من المؤتمرات الأكاديمية، ومجموعات العمل والدراسات المسحية الميدانية العامة، والتحقيقات الإخبارية ، وغيرها من المواد التي تتناول الخصوصية من شتى جوانبها.
ولعل الثورة التي تشهدها الساحة العالمية في هذه المرحلة الزمنية الأخيرة، في الإهتمام بالخصوصية، ناتجة عن الإنتشار السريع لتقنيات المعلومات، إذ أن الزيادة الهائلة في إنتشار هذه الحواسيب الآليــــة، نتجــت - في المقابل- عنها زيادة كبيرة في الخدمات التي تقدمها هذه الحواسيب، وتوسع هائل في إمكانياتها المتعددة، وكل ذلك قد يؤدي إلى إحداث خطورة أمنية حقيقية على الحق في الخصوصية، ولهذا سيتضمن هذا المحور النقاط التالية:



المطلب الأول
الأمن الشخصي وأثر المعلومات فيه
الأمن نعمة جلى من النعم التي من الله بها على عباده، وهي النعم التي بدونها تصبح الحياة لا تطاق بأي حال من الأحوال.
ويعتبر حق الأمن من أهم الحقوق العامة على الإطلاق، بعد يعد في مقدمة الحقوق المتفرعة من حق الحرية الشخصية، كما يعد ضماناً لغيره من الحقوق، ومن أهمية هذا الحق فإنه يعتبر مظهراً للتمتع بالحرية الشخصية في أدق صورها، وهو يعبر - كذلك – عن حق الإنسان في ألا يقبض عليه أو يحجز أو تمس حريته المشروعة، إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون .
ويرى جانب من الفقه، أنه وبمقتضى حق الإنسان في الأمن الشخصي، فإنه لا يجوز التعدي على بدن الإنسان أو المساس بكرامته، أو بشرفه، كما أنه يرى أنه مما يتصل بأمن الإنسان الشخصي ، عدم جواز إجراء أي عمليه جراحية عليه إلا برضى صريح منه .
كما تتضمن النظم الأساسية (الدساتير) للدول المختلفة تقرير الحريات وحق الأمن، ففي المملكة المتحدة وبالرغم من عدم وجود دستور مكتوب بها إلا أن الوثائق الرسمية التي تعد بمثابة الدستور قررت ضمانات هامة لأمن الأفراد ضد تعسف السلطات العامة، إلا أن الضمانة الحقيقية الهامة في المملكة المتحدة بالنسبة لحق الأمن الشخصي كما يطلق عليها (The Write of Habeas cropus ) .
وهذا المبدأ العام يعبر عن التاريخ السياسي الطويل في المملكة المتحدة ، الذي قام على تقليص سلطات الملوك لصالح الشعب، ممثلاً في البرلمان، حيث أمكن بمقتضاه إصدار ما يعرف بإسم (الأمر بإحضار سجين)، وهو أمر قضائي تصدره المحكمة إلى مدير السجن لإحضار المحبوس وبيان أسباب حبسه، ثم الإفراج عنه، إذا لم تقتنع المحكمة بأسباب القبض عليه.
ويرى عدد كبير من الفقهاء، أن ذلك النظام الذي يعد من أهم ضمانات الحرية الشخصية في مختلف النظم السياسية المعاصرة، ومن أعضمها شهرة في مجال حق الأمن، فقد أوجد جواً ومناخاً مناسبين للأنظمة الإنجليزية، كما يراه البعض متوافقاً مع نظام الإجراءات الجنائية في فرنسا، مما حدا بالكثير من الدول بالأخذ بالمبادئ التي أرساها ، كما أنه رغم قدمه فإنه لا يزال ساري المفعول في المملكة المتحدة ، ويعتبر هذا الحق من أشهر حقوق الأفراد في القانون الإنجلوسكسوني.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تناول دستورها وتعديلاته المتعدده، ضمانات دستورية تتعلق بأمن الأشخاص ، لا سيما في مرحلة المحاكمة، وقد ورد في معضم الضمانات الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية،ضمن التعديلات الدستورية العشرة الأولى، والتي تعرف بإسم وثيقة الحقوق (Bill of Rights)، وهي التعديلات التي أقرت ككل، وعمل بها منذ عام 1971 كجزء من الدستور الإتحادي.
وصاغ المشروع تلك التعديلات في البداية ليعمل بها على المستوى الفدرالي، وترك وضع الضمانات الإجرائية على مستوى الولايات لدساتير وتشريعات الولايات الأمريكية نفسها .
وقد حرصت تلك الدساتير الأخيرة على محاكاة الدستور الإتحادي، فيما قرره من ضمانات إجرائية، يعمل بها أمام القضاء ، ومنها الضمانه ضد التفتيش والضبط التعسفيين، والضمانة ضد تجريم النفس، والحق في محاكمة سريعة وعادلة بواسطة محلفين من ذات الطبقة التي ينتمي إليها المتهم، كما حرصت تشريعات وأحكام قضائية عديدة على إقامة نظام للمحاكمة تكفل فيه تحقيق العدالة، المنشودة للإدعاء والدفاع على قدم المساواة دون تمييز.
وقد أرسى النظام الأساسي للدولة (الدستور) بسلطنة عمان، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 101/1996م المبادئ الأساسية للحريات والحق قي الأمن بالنسبة للأفراد، وذلك في الباب الثالث منه، المتعلق بالحقوق والواجبات العامة ، فكفل الحرية الشخصية للأفراد، ومنع القبض على اي إنسان أو تفتيشه أو حجزه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون، إلا أنه ومع تطور الوسائل التقنية (التكنولوجية الحديثة)، طرأت على هذا الحق بصفة عامة تغييرات وتحديات أمنية مختلفة، وأضحت ظاهرة التطفل على الحياة الخاصة وإنتشارها من الظواهر الشائعة في المجتمعات المعاصرة.
ففي مجال الرقابة السمعية وتطورها، أتاحت للمتطفلين (الجناة) الفرصة للحصول على معلومات عن شخص معين دون علمه، وفي مجال التجسس الأمني على الأصوات، ظهرت أجهزة تنصت متطورة ، سواءً بواسطة الهواتف أو غيره من الأجهزة التقنية ، فأمكن بذلك من التنصت على ما يدور داخل مكان مغلق عن طريق أجهزة متطورة، توضع في الخارج، أو تلصق بالحائط أو يكون عملها من على بعد ، وذلك ما يمس أمن الشخص وخصوصياته. أما في مجال الرقابة البصرية ، فقد كان للتطورات العلمية المعاصرة، الأثر الكبير – كذلك – في جرائم الإعتداء على حرمة الحياة الخاصة ، فأصبح من السهل إنتهاك خصوصية الإنسان المصانة، والتسلل داخل حصونها، وباالطبع لم يعد الحائط أو بعد المسافة أو إغلاق النوافذ والأبواب يقف عائقاً أو حائلاً ضد المراقبة والإطلاع على امور الحياة الخاصة للأفراد .
كما أن تقنيات الحاسب الآلي على الرغم من الفوائد العظيمة لها في مجال تقدم البشرية ونموها، إلا إنها وفي ذات الوقت تعتبر أداة لإنتهاك الحياة الخاصة للأفراد وذلك يتمثل في الإعتداءات التي تقع على الحواسيب الشخصية للأفراد، وعلى برامجهم وأسرارهم التي تخزن عادة في (Hard Disk) الخاص بكل شخص، ويكون ذلك عن طريق تمرير أو إتلاف البيانات المخزنة بالحاسب الآلي أو مسح البيانات أو سرقتها في أحيان أخرى.
كما أن ظهور الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، أدى إلى زيادة جوانب التهديدات الأمنية لحياة الأشخاص، بظهور متطفلي الحاسب الآلي (الهاكرز)، كما رأينا في المبحث التمهيدي من هذه الدراسة، وقد ساعد سوء إستخدام هذه التقنيات من بعض المبرمجين، وعدم وعي وإدراك المستخدمين لمثل هذه المخاطر، في ظهور مشاكل أمنية على الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، ونشط القراصنة والمتطفلون في هذا المجال، مما أدى إلى تعريض أمن المستخدمين للخطر من عدة جوانب من بينها وضع (الفيروسات) وإتلاف الملفات، وتخريب البرامج وأعمال الإحتيال المختلفة والنصب والغش والخداع.
وفي الواقع أن هناك العديد من الطرق والأساليب التي يتم بموجبها وبواسطة أجهزة الحواسيب الآلية، الإعتداء على الحرية الشخصية للأفراد، وبالتالي إنتهاك حقهم في الأمن، حيث أن الأساس في تنفيذ عمليات الإعتداء هو من لديه مفتاح البيانات للحاسب الآلي (Code)، يستطيع تجميع المعلومات التي تكون غالباً شخصية ، ومتعلقة بشخص معين، بشكل لم يكن متاحاً على الإطلاق من ذي قبل، وتكمن الخطورة في أن المعلومات المستخدمة قد تكون غير دقيقة، أو قديمة أو بدون معنى، أو تكون التغذية (إدخال البيانات) خاطئة أو غير صحيحة أو ناقصة .
فضلاً عن ذلك، فإن المعلومات المجمعة تعطي بيانات تفصيلية عن حياة الأفراد، وأفكارهم السياسية والعقائدية، وإنتماءاتهم الحزبية والأيديلوجية ، وتجعلهم عرضة للضغط ، حيث تشمل علاقات العمل أو الإتصالات السياسية أو الإجتماعية، وتزيد من وسائل ضغط سلطات الضبط الإداري على الأفراد.
ومما لا جدل فيه قانوناً ، بأن يكون للفرد الحق في أن يعيش في أمان لشخصه ومنزله ومستنداته وأمتعته، من التفتيش أو الإطلاع عليها بدون مبرر قانوني لذلك، إلا أن هذا الحق هل له الفاعلية المنشودة، في ظل إستخدام الجهات الحكومية لتقنيات المعلومات المتطورة، أم لابد من وجود ضمانات أمنية وقانونية واضحة وقوية تحقق هذا الأمن المنشود؟
من هذا الجانب، نجد أن بعض الدول أصدرت تشريعات لمواجهة الإعتداءات على حق الأمن الشخصي في مجال المعلومات الحاسوبية، ففي فرنسا مثلاً، نجد أن القانون يحظر تخزين المعلومات الشخصية التي تتعلق بالأصل العرقي، أو الآراء الفلسفية أو الدينية أو الإنتماء النقابي.
وعلى ذلك، لا يجوز أن يتضمن الإستبيان – كأصل عام – أي سؤال من شأنه أن يظهر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لمثل هذه المعلومات ، ولا يجوز أن يتظمن طلب الإستخدام أسئلة عن الأصل العرقي أو الإنتماء النقابي أو الآراء السياسية للمتقدم لشغل الوظيفة العامة، كما لا يجوز تخزينها والحصول عليها بطريقة مشروعة ، ويرجع سبب ذلك إلى الرغبة في تفادي اي تمييز يقوم على الأصل العرقي أو الدين أو السياسة ، ، مم يخل بمبدأ المساواة بين أفراد المجتمع ، من أجل حماية حرية الفكر والرأي والتعبير والعقيدة والإنتماء النقابي ، مم يجعل الإنسان يعيش آمناً مطمئناً في ممارسته لهذه الحقوق.
إلا أنه قد تقتضي ضرورة المصلحة العامة والقانونية ، إيراد إستثناء على الأصل العام لهذه القاعدة، وذلك تيسيراً على الأفراد لممارسة حقوقهم، ولدواعي تحقيق الجوانب الأمنية التي يهدف إليها المشرع في هذا الجانب ، ولتحقيق التنمية الوطنية من تخزين المعلومات الدقيقه المتعلقة بالحياة الشخصيه، ومعالجتها بواسطة الحاسب الآلي ، فإن هذا كله لا يدخل في نطاق الحظر الذي سبقت الإشارة إليه، إلا أنه يجب أن يكون هناك من الوسائل القانونية والإجرائية والتنظيمية ، ما يكفل لضمان سرية هذه البيانات ، والتأكد من عدم إساءة إستخدامها .

فمثلاً،إتخاذ إجراءات حفظ البيانات والمعلومات الشخصية وتخزينها في نظم المعلومات الآلية (الحاسب الآلي) بالإدارة العامة للأحوال المدنية ، وكذلك الإدارة العامة للجوازات والإقامة التابعتين لشرطة عمان السلطانية، له إيجابياته الأمنية والإقتصادية والإجتماعية والتنموية المتعددة.
ويتجه أخيراً الفقه المقارن ، إلى هذا الخطر إلى تسجيل المعلومات الشخصية ترد عليه بعض الإستثناءات تتمثل في الآتي :
1- رضاء صاحب الشأن على تخزين المعلومات الخاصه به شخصياً، حيث لعبت الإرادة الشخصية هنا الدور البارز والهام في مجال الحقوق الشخصية ، وبالتالي بما أن صاحب الشأن أبدى رغبته الشخصية في تخزين معلوماته الشخصية فلا يشمله الحظر الذي أشار إليه الفقه في هذا الجانب،إلا أنه يتعين أن يكون الرضاء حراً خالياً من العيوب، وأن يكون صاحب الشأن على بينه وتبصر كاملين.
2- الجهات الدينية والفلسفية والسياسية والثقافية، وهذا بالطبع من المنطقي أن يسمح لها بتخزين وحفظ المعلومات المتعلقة بأعضائها لخدمة أهداف هذه الجهات من جانب، ولتسهل عليها تقديم خدمات لأعضائها من جانب آخر.
3- دواعي المصلحة العامة، فقد تقتضي ضرورات المصلحة العامة في حالات معينة، تخزين المعلومات الشخصية المتعلقة بالحياة الخاصة بالأفراد، ومعالجتها عن طريق نظم المعلومات الآلية (الحاسب الآلي)، وعليه فقد أجاز القانون لوزير الداخلية في فرنسا بتنزيل وحفظ بيانات تتعلق بالأصل العرقي لكافة رجال الأمن العام في حاسبه الآلي الخاص، وكذلك بالنسبة لقانون الأحوال المدنية في سلطنة عمان، وسوف نتناول هذه الجزئية بالبحث والدراسة – كذلك – في القسم الثاني من هذه الدراسة .
مما تقدم، نخلص إلى أن الأصل العام هو عدم جواز المساس بالخصوصية المصانة من قبل كافة النظم الأساسية والدساتير - كما رأينا – إلا أنه قد ترد بعض الإستثناءات على هذا الحق لدواعٍ أمنية وخدمية وتنموية وتنظيمية، حيث أجاز القانون في البلدان التي أشرنا إليها، التعرض للبيانات الشخصية للأفراد إلا أنه يجب أن يكون ذلك بالقدر اللازم وفقاً لضوابط وشروط دقيقه، وفق الحدود الضيقة وأن لا تترك هذه الإستثناءات تحت مبدأ خدمة المصلحة العامة المطلقة.



الحق في الإقامة والتتقل وحرمة المساكن
وأثر المعلومات فيها

بما أن حق الإقامة والتنقل من الموضوعات التي يوليها المشرع جل إهتمامه، من أجل صيانته والمحافظة عليه، دون المساس به بغير سند قانوني، بالإضافة إلى ما يوليه المشرع من حماية قانونية لحرمة المساكن، ونظراً لكون هذا الحق أصبح عرضة للإعتداء عليه بالوسائل التقنية المعاصرة، فإنه سيتم التطرق لهذا الموضوع وذلك على النحو التالي :

أولاً : الحق في الإقامة والتنقل وأثر المعلومات فيه .
ثانياً: حرمة المســــاكن وأثــــر المعلومـــــات فيها .

أولاً- الحق في الإقامة والتنقل وأثر المعلومات فيه :
إن الحق في التنقل متفرع من الحرية الشخصية للفرد، فلا تجوز مصادرته لغير مبرر، ولا إنتقاص منه دون مسوغ قانوني، أو تغييره بلا مقتضى مشروع .
وتعني حرية التنقل، الحق في الإنتقال من مكان إلى آخر، والخروج من البلاد والعودة إليها دون تقييد أو منع وفقاً للقانون، فلا يجوز منع الفرد من التنقل أو الإقامة في جهة معينة، كما لا يجوز إلزامه أو إجباره بالإقامة في مكان معين، أو إبعاده من البلاد أو منعه من العودة إليها.
بيد أن القانون يستطيع تنظيم حرية التنقل، ووضع القيود والضوابط على ممارستها دون أن يصل الأمر إلى إهدارها كلية، ويشترط أن تكون هذه القيود قد إقتضتها مصلحة عامة، ونظمتها قوانين سارية، مثل المحافظة على النظام والأمن العام ، أو على سلامة الدولة في الداخل أو الخارج، أو حماية الإقتصاد الوطني في حالة تعرضه لتهديد معين .
وتطبيقاً لهذا المبدأ،فقد أناط قانون الشرطة بسلطنة عمان، مسؤولية المحافظة على النظام العام، والآداب وحماية الأرواح والأعراض والأموال،وكفالة الطمأنينة والسكينة في كافة المجالات إلى شرطة عمان السلطانية.
ويلعب التطور التقني (التكنولوجي) في مجال وسائل الإتصال وحفظ ومعلجة المعلومات ، دوراً بارزاً في تهديد الحياة الشخصية للإنسان، وذلك من خلال رقابة المعلومات الإسمية (الشخصية) للأشخاص التي تم تخزينها في بنوك المعلومات الرسمية، والتي تهدد أمن الأفراد في حرية الإقامة والتنقل في حالة إستخدامها في غير الأهداف التي جمعت من أجلها.
وقد أوردت القوانين الضمانات الواجبة في حالات القبض، وتعتمد كما يراها بعض الفقهاء والمفكرين على مدى مراعاة المشرع للتوازن بين الحقوق والحريات الشخصية والمصلحة العامة.
واليوم ومع دخول الحواسيب الآليه إلى مجال الخدمات العامة، في مختلف القطاعات العامة والخاصة، وكذلك المنازل، وانتشار مقاهي الإنترنت، فإننا نجد أن مصير حرية التنقل أخذت نوعاً جديداً من حالات التطور الإجرائي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، وبعد أحداث سبتمبر 2001م تم تطوير الرقابة على تنقلات الأفراد، وقامت الإدارة الأمريكية بوضع قيود جديدة على حركة الإنتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واشترطت على القادم إليها عمل بصمات يدوية وصور بمواصفات دقيقة، وتخلت عن عددٍ من المبادئ في مجال الحريات الشخصية، التي كانت تفرضها وتصونها في نطاق حماية الخصوصية .

ثانياً : حرمة المساكن وأثر المعلومات فيها :
من الطبيعي أن يكون هذا النوع من الحريات يتمتع به الإنسان في المكان الذي يؤويه ويسكن إليه، سواءً أكان الساكن مالكاً لهذا المكان أم مستأجراً له، وبالتالي يتطلب أولاً الإعتراف بحق الإنسان في إختيار المسكن ، بشرط ألا يتعدى على حقوق الآخرين في جو من الأمن والإستقرار.
كما يتطلب ثانياً، الإعتراف بحق الإنسان في ألا يقتحم مسكنه أو يتم تفتيشه إلا في الأحوال والظروف التي حددها القانون صراحة .
ومن هذا نرى، أن الإنسان له مطلق الحرية في إختيار مسكنه، وفي تغييره كذلك، وهو حر في إستعمال مسكنه والإقامة فيه، لا يقتحمه عليه آخر، إلا في الأحوال المحددة قانوناً، ومن قبل السلطة المخولة قانوناً بذلك الإجراء،وبالضوابط والشروط المقررة تحديداً لمثل هذا التصرف.
وقد أدى التقدم العلمي في مجال التقنيات الحديثة، إلى بروز أنواع مستجدة ومتعددة من تهديد حرمة المساكن،التي تعتبر أحد مظاهر حقوق الحياة الخاصة للأفراد، وقد كان المبدأ الراسخ فيما مضى في القرنين التاسع عشر والعشرين، أن منزلي هو قلعتي (My Home is my castle)، وبالرغم من تعرض حياة الإنسان الخاصة بالتهديد، فقد ظل هذا المبدأيتمتع بالحماية القانونية حتى أصبح عقيدة ترددت في المذهب الفردي كنموذج للحرية، وقد عبر عن هذه الفلسفة القاضي الفرنسي (Jerome Frank) ، حيث ذكر (أن المجتمع العاقل الرشيد المتمدن ينبغي أن يكون بمثابة جهة تكفل المأوى والأمان للناس، ويكون فيه مكان للعزلة، له حرمته ، فيكون بمثابة قلعة يأوي إليها الشخص في أمان وسكينة).
وفيما يتعلق بالدخول إلى الأماكن المسكونة، وبطريقة غير مشروعة، أو الأماكن المعدة للسكن، والذي يشكل إنتهاكاً صريحاً لملك الغير، فإن ذلك يتمثل في طريقتين:

الأولى : وهي الطريقة التقليدية لإنتهاك حرمة المساكن المألوفة لدى كافة الناس، والمعروفة في نطاق القانون الجنائي، أي أن جريمة إنتهاك حرمة المساكن تحصل في العالم المادي الواقعي.

والثانية : فتتمثل في إنتهاك حرمة المساكن عن طريق الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، وهي الأحدث بتطور تقنيات نظم المعلومات، فالدخول وبالطريقة التقليدية يعاقب عليها القانون، ولو لم يكن هناك إعتداء على الأشخاص أو الأموال .

ومن هنا يتضح لنا، أن نظم المعلومات تؤثر تاثيراً مباشراً وملموساً على الأمن في مجال الحقوق والحريات التي تتصل بالفرد، وأن من ضمن هذه الحقوق حرمة المساكن، ويعتبر دخول الشخص إلى النظام الخاص بالأفراد والموجود في أجهزتهم الشخصية بداخل مساكنهم الخاصة يعتبر تعدياً واضحاً على حقوقهم وحرياتهم الشخصية ، ويعتبر إنتهاكاً لخصوصياتهم، ويهدد أمنهم الشخصي، لأن مجرد العزم والتنفيذ بدخول هذا النظام، ولو كان بطريقة أخرى، يعني العزم على دخول المساكن بطريقة غير مشروعة ، ومن هنا تتحقق جريمة إنتهاك حرمة المساكن التي يجرمها القانون. مما يتطلب معه جهود أمنية فاعلة في تعقب منتهكي الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع ، التي تحظى باهتمام المشرع في الدول التي أشرنا إليها.









المحور الثاني
جرائــــم الأخلاق والآداب العــامــــة
*الصعوبات :
إن التعرض لجرائم الأخلاق والآداب العامة ، التي ترتكب بواسطة نظام الإتصالات، لا سيما شبكة المعلومات (الإنترنت) ليس بالموضوع السهل، إذ يجد الباحث ذاته في إطار دراسته لهذه النوعية من الجرائم، عرضه لبحث الإختلاف الإجتماعي على مستوى العادات والتقاليد السائدة بين مختلف الحضارات، بل حتى – في بعض الأحيان – بين المجتمعات في الدولة الواحده ، فيبرز له بصورة واضحة أن هناك إختلافاً في طبائع المجتمع ، ومستويات النظرة الفردية الإجتماعية إلى الأمور ، لكونها ترتبط بمفهوم المدنيات المعاصرة، وارتباطها – كذلك – بمنطق أو تقليد أو نهج التعامل مع الإنسان في المجتمع، فما يعد من قبيل الإنحلال في الأخلاق والآداب العامة في حضارة أو دولة أو مجتمع معين ، قد لا يكون كذلك في نهج أو تقاليد أو أخلاقيات دول أو مجتمع آخر ، وقد يختلف في نهج أو منطق دولة ثالثة ... وهكذا .
لذلك فالتطرق إلى هذه النوعية من الجرائم حين تتم عبر الحاسب الآلي، وخاصة بواسطة نظام الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، لا يعني سوى التطرق إلى الحلول التي طرحها المشرع لهذه النوعية من الجرائم، من حيث كونها أحدثت مشكلة أمنية ذات شأن كبير، على الرغم من حركة الإباحة الأخلاقية التي تجتاح بعض المجتمعات غير الإسلامية.
وجرائم الأخلاق والآداب العامة وفقاً للتصنيف في قانون الجزاء العماني، هي تلك النوعية من الجرائم التي تتضمن التعدي على القيم والعادات الأخلاقية السائدة في النظم الإجتماعية والإقتصادية بالدولة، حيث أطلق عليها المشرع العماني، الفضائح العلنية وذلك بقانون الجزاء العماني .
وتعد جرائمالأخلاق والآداب العامة ، من ضمن أشكال التعدي على القيم الإنسانية الاجتماعية ، والتي من شأنها تهديد أمن واستقرار المجتمع ، مع ما يصاحب هذا الأمر من تشدد في الطابع الحضاري لتلك القيم المستوحاة مما تعارف عليه الناس وارتضوه قاعدة أخلاقية لهم ، وهو أمر يفترض معه وجود تباين بين مختلف الحضارات والثقافات في مستوياته ، إذ من الممكن أن يكون ما لا يعتبر في نطاق الأخلاق والآداب العامة في حضارة معينة معاصرة ، يعتبر في نطاق الأخلاق والآداب العامة في حضارة أخرى معاصرة أيضاً ، لكن ذلك لا يعني - بأي حال من الأحوال – عدم وجود حد أدنى لقواعد الأخلاق والآداب العامة ، يمكن أن تكون أساساً مشتركاً بين الحضارات المختلفة .
ولقد أولى المشرع المقارن اهتماماً ملحوظاً بجرائم الأخلاق والآداب العامة ، وفقاً لما هو متعارف عليه بحضارته ، وذلك يعني أن الاختلاف الحضاري لا يؤدي بالضرورة إلى نزع الأخلاق والآداب العامة بصفة جذرية من الحضارات ، وإنما تختلف النظرة إليها من حضارة إلى أخرى كما أسلفنا ، فمثلاً نجد أن موضوع الأخلاق والآداب العامة في التشريعات في الدول العربية والإسلامية مستمدة من الحضارة الإسلامية الخالدة ، ومنطق التقاليد والمبادئ الراسخة التي تأسست عليها هذه المجتمعات ، في إنشاء وترسيخ بنية الأخلاق والآداب العامة ، في حين أننا نرى أنه في التشريعات الصادرة من الدول غير الإسلامية فإن المشرع يستمد معيار الأخلاق والآداب العامة من المنطق الاجتماعي والحضاري والاقتصادي السائد لديه ، إلا أن ذلك – مرة أخرى – لا يعني – كما ذكرنا – انعدام تواجد مبادئ الأخلاق والآداب العامة لدى تلك المجتمعات ، بل إن كثيراً ما يلاحظ قوة العامل الأخلاقي هناك ، وعلى أساسه تقوم فكرة إقرار الحقوق المدنية في تلك المجتمعات .
إن التعدي على الأخلاق والآداب العامة عبر الحاسب الآلي ، يعد في الحقيقة من المشاكل التي جعلت الاصطدام قوياً بين المشرع والقضاء في القانون المقارن ، وبالتالي ينعكس ذلك على جهود رجال سلطة تنفيذ القانون في مكافحة هذه النوعية من الجرائم . ولقد احتلت مشكلة التعدي على الآداب والأخلاق العامة بهذه الصورة حيزاً كبيراً في بحوث ودراسات الفقه المقارن ، في عملية صراع كبيرة ما بين حرية التعبير واحترام آداب وأخلاق الشعوب ، إذ أن المشرع المقارن لا يتوانى عن سن التشريعات التي تحمي القواعد الأخلاقية ، إلا أن القضاء المقارن يقوم – في بعض الأحيان – بإصدار أحكام تتناقض مع إرادة المشرع في هذا الجانب ، سعياً وراء حماية حرية التعبير ، كإحدى الحريات التي تتفوق – في وجهة نظر عدد من الفقهاء – على الأخلاق والآداب العامة ، ومع ذلك فإن المشرع كرد فعل يقوم مرة أخرى بإعادة صياغة المواد المتعلقة بحماية الأخلاق والآداب العامة لتفادي الثغرات القانونية التي استند إليها القضاء في أحكامه ، بغرض حماية الأخلاق والآداب العامة ، نظراً لأن عدداً كبيراً من الفقهاء والمفكرين يرون أن حماية الأخلاق والآداب العامة ، يمثل حجر الزاوية في المحافظة على الشعوب متماسكة متآلفة ، بمدى تمسكها بقواعد الأخلاق والآداب العامة .
ومن هذا المنطلق فقد مثلت مبادئ الأخلاق والآداب العامة على هذا النحو ، تحدياً بين المشرع والقضاء في القانون المقارن في عدد من الدول من جانب ، وبين رجال سلطة تنفيذ القانون من جانب آخر .
ومع تقدير الباحث للآراء الفقهية التي قيلت في هذا المجال ، إلا أنه يميل ميلاً قوياً إلى وجوب عدم الخلط فيما بين حرية التعبير والمحافظة على الأخلاق والآداب العامة فمسألة حرية التعبير في اعتقادي مسألة مقدسة ويجب حمايتها إذا كانت لا تؤدي إلى التعدي على الأخلاق والآداب العامة ، أما إذا كانت حرية التعبير من شأنها هدم قواعد الأخلاق والآداب العامة للمجتمع ، فإنها بذلك تصطدم مع مبادئ إنسانية سامية قدستها كافة الديانات السماوية ، وحافظت عليها كافة الحضارات على مر السنين دون استثناء . وبالتالي يجب النظر إلى أن حدود حرية التعبير – التي يجب المحافظة عليها وحمايتها قانوناً – تقف أو تنتهي عندما تلامس قواعد الأخلاق والآداب العامة ، أو تصيبها بالضرر ، لأن من شأن ذلك الإسهام في ترسيخ الأمن والاستقرار في المجتمع .

وعليه فسوف يتم التطرق لهذا الموضوع من زاويتين:
الزاوية الأولى : تحديد مفهوم الأخلاق والآداب العامة عبر الإنترنت.
الزاوية الثانية: الأفعال العلنية في القـــانونين العمــــاني والمصـــري .
وذلك في التفصيل التالي :

تحديد مفهوم الأخلاق والآداب العامة
عبـــر الإنتــــرنت
يجب في البداية التقرير بأن مسألة تحديد مفهوم الأخلاق والآداب العامة عبر الإنترنت ، له أهمية بالغة في نطاق تعقب هذه النوعية من الجرائم من قبل سلطات تنفيذ القانون ، فنجد أنه وكنتيجة للفارق الحضاري في قوانين الأخلاق والآداب العامة ، والناتج الحضاري والاجتماعي في هذا الجانب ، فإن كثيراً من التشريعات يميز فيها بين الفعل المغاير لما تنطوي عليه الأخلاق والآداب العامة كفعل الفحش والدعارة المصورة مثلاً ، ويترتب على هذه المقارنة نتائج شتى في التشريع المقارن ، إلا أنها في الواقع الاجتماعي من حيث الاختلاف والتباين الحضاري ، فإن وقع أو تأثير كل من هذه المفاهيم له أساس يرتبط بمدى الحرية والأخلاقية التي يمنحها المجتمع لأفراده ، وإلى أي مدى يمكن أن تصل ، بل إنه في بعض التشريعات المقارنة تمكن المشرع من إلغاء التشريعات التي تعاقب على الزنا الإرادي ، مثلما هو الحال في التشريع الفرنسي والأمريكي ، تاركاً مثل هذا لفعل منتظماً في إطار رد الفعل الاجتماعي وأحياناً الديني.
ومن الملاحظ أن المشرع لم يتعرض على الإطلاق لتحديد معنى موحد لمفهوم الأخلاق والآداب العامة في القانون الجنائي ، في بعض الدول التي ترتب عليها آثاراً أمنية ، ففي القانون الأمريكي مثلاً قرر القضاء أن مفهوم غير أخلاقي Indecent)) مفهوم عامي ( (Vagueكما أنه لم يرد – كذلك – أي تعريف لمفهوم الدعارة في ذات القانون ، ويبرز ذلك واضحاً في التوسع الكبير الذي تسير عليه المحكمة الفيدرالية العليا في تحديد مفهوم الفحش (Obscenity) حيث يمكن لهذا لمفهوم استيعاب المفاهيم في التقنين الأمريكي،وهي مفاهيم الفاحش(Obscene ) والفسق (Lewd ) والشهوانية (Lascivious) وكذلك البذاءة (Filthy) سيما تلك النصوص التي تتضمن جرائم خارجة عن الأخلاق والآداب العامة باستخدام شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) والحاسوب .
ومثل هذا الأمر يجعل بحث نقاط الإتصال، ومعيير تمييز ماهو مخل بالأخلاق والآداب العامة وما هو غير ذلك، وكذلك تصنيف الأفعال غير الأخلاقية، ومن الأمور التي ترتبط بالفهم الإجتماعي والإرث الحضاري الذي يأخذ طابع التعدد والتنوع في البيئة الإجتماعية الواحدة .
وتبعاً لذلك فإن الباحث يرى أن الإرث الحضاري، والقيم الدينية ، لهما دور مهم في بلورة الأفعال التي تؤدي إلى إحداث أضرار أمنية إن لم يتم مراعاتها، فعلى سبيل المثال إذا كان مجتمعاً شرقياً محافظاً ، فليس من المصلحة الأمنية عدم المعاقبة على جريمة الزنا، لأن ذلك سيؤثر على الوضع الأمني بين أفراد المجتمع المحافظ بصفة مباشرة أو غير مباشرة .
لهذا فإنه إذا كان هناك مجال لتحديد معيار الأخلاق والآداب العامة عبر شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، فإن محاولات القضاء المقارن في هذا الإطار إنما تأتي تعبيراً عن المنطق الإجتماعي السائد، وبحيث لزوم الإستعانة دائماً هنا بما هو متعارف عليه في المجتمع الذي تدرس حالته، إلا أنه يجب هنا التنويه على الدوام بأن المنطق الإجتماعي (community standards)، له أهمية حيوية في تحديد عناصر جريمة الأخلاق والآداب العامة في أي مجتمع من المجتمعات ، وبما يعكسه من آثار أمنية بين أفراد المجتمع، بحيث يتم الإستناد إليه كأساس للبحث في الوقائع المعروضة .
وربما يعطي مثال إستخدام اللهجات العامية العربية وغير العربية _ والتي تختلف من محيط إجتماعي إلى آخر، وقد يكون هذا الإختلاف واضحاً للعيان، ، حتى في إطار الدولة الواحدة – إشارة واضحة المعالم إلى إمكانية التفاعل مع عامل الآداب والأخلاق العامة ، يحيث يمكن إستخدام هذه أو تلك اللهجة أن تفهم على نحو خاطئ من قبل البعض ممن ينتمون إلى فئة إجتماعية أو جهة جغرافية قد تكون في ذات الدولة الواحدة.
ولقد أورد قانون الجزاء العماني في المادة (34) منه قي جرائم العلنية (أي العرض العلني) مصطلح محل عام أو مكان عام للجمهور، حيث قرر المشرع إمكانية إعداد الجريمة مرتكبة علانية إذا ارتكبت أركانها القانونية في محل عام أو مكان عام للجمهور، سواءً كان ذلك في محل تجاري يرتاده العامة أو أي مكان معرض لإرتياده من قبل العامة.
في حين قرر المشرع المصري منطق العرض للجمهور في الباب الرابع عشر في قانون العقوبات، في المواد (171 وما بعدها، سيما المادة 178 ، ثالثاً – عقوبات) التي رددت – كما رأينا- مصطلح (... وكل من أعلن عنه أو عرضه على أنظار الجمهور ...) ففي الحالتين تتوافر العلنية المتطلبة في الجرائم التي يتطلب فيها المشرع لزوم توافر العلنية .
وفيما يتعلق بتحديد جرائم الأخلاق والآداب العامة التي يمكن أن ترتكب عبر الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، وتحدث أضرارها الأمنية ، يمكن القول بأن المصطلح المستخدم في التشريع المصري يمكن أن يحقق نوعاً من التوافق مع ما يمكن عرضه عبر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، بحيث أن ما هو موضوع أو موجود على هذه الشبكة من مواد أياً كانت، يمكن القول بأنه يتم عرضه من قبل شخص ما على أعضاء (جمهور) الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) .
في حين لا يمكن أن تكون الإنترنت عملاً معروضاً للجمهور، لأنها ليست محلاً أو مكاناً، حيث أن المقصود بالمحل أو المكان المباح للجمهور في النص الوارد بقانون الجزاء العماني هو النطاق الجغرافي الذي يحمل على نفس مفهوم الحيز المكاني المادي، في حين أن العرض على الجمهور وفق النص المصري لا يستدعي أن يكون المحل أو المكان الذي تم فيه العرض على الجمهور بأي وسيلة كانت مادياً، فيستوي أن يكون ذلك المحل أو المكان في العالم المادي (الحقيقي) أو في غيره.
ولما كانت الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) هي وسيلة إتصالات عالمية ، ولها جمهورها الواسع، فإن المفترض الصحيح وفقاً للقانون المصري ، إنه بمجرد وضع المادة المجرمة على الشبكة المذكورة (الإنترنت)، تكون قد تم الإعلان عنها أو عرضها على الجمهور ، وبالتالي تتحقق أضرارها الأمنية والإجرامية، دون الحاجة لإقامة الدليل على أن جمهور ما قد إطلع أو نظر على المادة الإجرامية المعروضة من عدمه .

الأفعال العلنية في القانونين
العمـــاني والمصـــري

إن فعل العلنية (Publication) وصف لحالة حدثت أو عمل أو نشاط يباشره الشخص في حدود القانون، إذا كانت لا تثير مشكلة أمنية، فليس لفعل العلنية قيمة أمنية في ذاته، وإنما تبرز تلك القيمة في مدى تأثيره في الحدث، بحيث تجعله ينتقل بمقتضى هذا التأثير إلى الجمهور، وبحيث يترتب على وضعه بالعلنية نتائج يعترف بها القانون ويرتب عليها أثار الأمنية القانونية .
وقد ينص المشرع في تشريعه العقابي على نص عام يحتوي على منطق الفعل العلني، ينطبق على كافة الجرائم، فنجد مثلا المشرع العماني قد أورد نصاً عاماً قرر فيه علنية إرتكاب الجريمة التي تنشر بالوسائل التالية :
أ‌- الأعمال والحركات إذا حصلت في مكانٍ عام ومباح للجمهور أو معرض للأنظار أو إذا شوهدت بسبب خطأ الفاعل من قبل من لا دخل له في الفعل.
ب‌- الكلام والصراخ سواءً جهر بها الفاعل أو نقلت بالوسائل الآليه بحيث يسمعها في كلتا الحالتين من لا دخل له في الفعل.
ج‌- الكتابة والرسوم والصور اليدوية أو الشمسية والأفلام والإشارات على إختلافها إذا عرضت في محل عام أو في مكان معرض للأنظار أو مباح للجمهور.
ويعد مثل هذا النص قاعدة عامة تضمنها الفصل الأول من الباب الثاني من قانون الجزاء العماني، بحيث يتم تفسير كلمة العلنية كلما وردت في النصوص على ضوئها، إلا أن هذا لا يعني رصد قاعدة عامة جامدة تؤدي دورها كتعريف أو إمتناع المشرع عن رصد معنى مخصص للعلنية، بل يمكنه القيام بذلك كما هو الشأن في الجرائم التي إعتبره المشرع في الفصل الرابع من قانون الجزاء فضائح علنية .
ولعل المثار في مقصود الأفعال العلنية المدى الذي تعرض له المشرع الجنائي هنا، وبالتالي أنواعها المشار إليه وأبعادها الأمنية، لا سيما فيما يتعلق بالفرق بين المحل العام أو المباح للجمهور أو المعرض للأنظار، وبين خطأ الفاعل الذي يؤدي إلي مشاهدة من لا دخل له في الفعل، وهذا يقود بالضرورة إلى القول بأنه لا يعتد بالفعل إذا كانت المشاهدة من له دخل في المادة المعروضة أو المعلنة، أما إذا شوهدت ممن لا دخل له فيها أعتبرت من الجرائم العلنية التي تدخل في أفعال إنتهاك الخصوصيات الشخصية التي يحميها القانون.
وقد لا يرى المشرع ضرورة للنص على قاعدة عامة تتضمن تفسيراً للأفعال العلنية، مكتفياً بتحديد مصطلح العلنية في نصوص خاصة ، معتمداً في تحديد نطاق تفسيرها على ما يقرره القضاء في هذا الشأن، مثلما هو حال المشرع المصري في المادة (171 عقوبات) التي تنص على (أنه كل من أغرى واحداً أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علناً أو بفعل أو إيماء صدر منه علناً أو بكتابة أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلنية يعد شريكاً في وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل، أما إذا ترتب على الإغراء مجرد الشروع في الجريمة فيطبق القاضي الأحكام القانونية في العقاب على الشروع ، ويعتبر القول أو الصياح علناً إذا حصل الجهر به أو ترديده بإحدى الوسائل الميكانيكية في محفل عام أو طريق عام أو أي مكان آخر مطروق، أو غذا حصل الجهر به أو ترديده بحيث يستطيع سماعه من كان في مثل ذلك الطريق أو المكان ، أو إذا أذيع بطريقة اللاسلكي أو بأي طريقة أخرى.
ويمون الفعل أو الإيماء علنياً إذا وقع في محفل عام أو طريق عام أو في أي مكان في مثل ذلك الطريق أو المكان. وتعتبر الكتابة والرسوم والصور الشمسية والرسومات وغيرها من طرق التمثيل العلنية إذا وزعت بغير تمييز على عدد من الناس أو إذا عرضت بحيث يستطيع أن يراها من يكون في الطريق العام أو أي مكان مطروق أو إذا بيعت أو عرضت للبيع في أي مكان).
وبنظرة أمنية وقانونية لهذا النص، فإنه يلاحظ عليه بأن المشرع المصري ساوى في التجريم بين الفعل والكتابة والقول والإيماءة العلنية...الخ، فالفعل هو الحركة العضوية العلنية مادامت تتضمن تعبيراً ما، والكتابة هي التدوين بلغة مفهومةبقصد التعبير عن فكرة أو موضوع معين، ويلحق بها الرسوم والصور الشمسية والتصوير الخيالي كالكاريكاتير والتصوير المرئي والرمزي، وبالتالي تتحقق الجوانب التجريمية والآثار الأمنية من هذا الفعل، وقد تكون بطريق النشر، وقد تكون مراسلة خاصة، إلا أنه نظراً لطبيعة الوسيلة التي تم بها الإرسال تكون قد استقرت في إطار العلنية ، كما هو الشأن حين إرسال فاكس أو برقية أو رسالة إلكترونية...الخ، بحيث يكون قد اطلع عدد من الناس عليها قبل وصولها إلى المجني عليه، أما القول هو الصوت، ويمكن أن يكون مصدره مباشراً كما هو الشأن في جريمة السب، وقد يكون غير مباشر كما هو الشأن في التشهير عبر الصحف أو في الإذاعة، وأخيراً الإيماءة وهي الإشارة بأي وسيلة من الوسائل.
على أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، حول مدى أهمية أفعال العلنية في جرائم الأخلاق والآداب العامة؟، وذلك أن بعض جرائم الأخلاق والآداب العامة تتم في السر، بل أنها تشترط السرية كواقع فعلي، وما دور القانون هنا سوى البحث في مدى وقوعها لكي يرتب عليها نتائجه القانونية .
والواقع أن أفعال العلنية ذات شأن في بعض جرائم الأخلاق والآداب العامة، ليس مكانها مثلما هو الحال في الفعل الفاضح العلني والبث الفضح أو الفاحش العلني وفعل الفجور (المادة 220 من قانون الجزاء العماني).
ولما كان الحاسب الآلي التي تنقل شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) بواسطته من وسائل العلنية بطبيعتها، فإن ذلك يقودنا إلى ضرورة بحث هذه المسألة من الناحية الأمنية، إلا إننا سوف نتجه إلى توجيه البحث في أفعال العلنية عبر الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) في كل حالة على حدة، سعياً وراء التقرير بأن أفعال العلنية عبر الإنترنت ينبغي تطلبها، لكون الأفعال التي تعد جريمة عبر الإنترنت كثيرة ومتنوعة ، بما يعني أن أفعال العلنية متطلبة حال تطلب المشرع لها، وبحيث لا تكون أفعال العلنية شرطاً عاماً ولازماً وضرورياً ينبغي توافره كلما كانت هناك جريمة عبر الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، وذلك من أجل توضيح هذا الجانب أما رجال سلطة تنفيذ القانون فهم المناط إليهم تعقب ومكافحة مختلف الأنماط الإجرامية .
ومما تقدم، نخلص إلى أن جوانب التعدي على الحق في الخصوصية الذي صانته النظم الأساسية والدساتير، أصبح في ضل تطور الوسائل التقنية من الأفعال الشائعة في المجتمعات المتمدنة، لاسيما أعقاب ظهور الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت).
إذ أن الأصل العام وفقاً للقانون، هو عدم جواز التعدي في الحق على الخصوصية، إلا أن هذا الحق ترد عليه بعض الإستثناءات المحددة قانوناً لدواعٍ أمنية وخدمية وتنموية وتنظيمية، حيث أجاز القانون معالجة البيانات الشخصية للافراد بالقدر اللازم ووفقاً لضوابط قانونية محددة، وبموجب ضمانات أمنية محددة.
وفيما يتعلق بجرائم الأخلاق والآداب العامة ، فإنه وكما رأينا، بأن الحق في حرية التعبير لا يجب أن يكون على حساب هدم قواعد الأخلاق والآداب العامة، عندما يصطدم أو يؤدي إلى هدم قواعد الأخلاق والآداب العامة الراسخة في المجتمع، وبالنسبة لحماية قواعد الأخلاق والآداب العامة عبر الإنترنت ، فإنه يكتنفها العديد من التعقيدات نظراً لإختلاف النظرة الإجتماعية لموضوع قواعد الأخلاق والآداب العامة من مجتمع إلى مجتمع آخر، مما يشكل تحدياً واضحاً في مواجهة هذه الطائفة من الإجرام من ناحية التشريع ، ومن ناحية الإجراءات الأمنية التي يجب أن تتخذها السلطات الأمنية المختصة .
أما فيما يتعلق بالنصوص القانونية الواردة في كل من التشريع العماني والمصري، فإن الباحث يرى أن النص الوارد في قانون العقوبات المصري أكثر ملائمة لإضفاء الحماية القانونية على قواعد ومبادئ الأخلاق والآداب العامة عبر الإنترنت، إذ أنه يحقق نوعاً من التوافق مع ما يمكن عرضه عبر هذه الشبكة من مواد تشكل جريمة إعتداء على الأخلاق والآداب العامة، لذا فإن الباحث يرى أن من المناسب النظر في تعديل نص المادة الواردة بقانون الجزاء العماني، إستهداء بالنص الوارد بقانون العقوبات المصري الذي تمت الإشارة إليه.
*الخلاصــــة:
ومما تقدم، ،نخلص إلى أن جوانب التعدي على الحق في الخصضوصية الذي صانته النظم الأساسية والدساتير، أصبح في ضل تطور الوسائل التقنية من الأفعال الشائعة في المجتمعات المتمدنة، لاسيما في أعقاب ظهور الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت).
إذ أن الأصل العام وفقاً للقانون، هو عدم جواز التعدي على الحق في الخصوصية، إلا أن هذا الحق ترد عليه بعض الإستثناءات المحددة قانوناً لدواعٍ أمنية وخدمية وتنموية وتنظيمية، حيث أجاز القانون معالجة البيانات الشخصية للأفراد بالقدر اللازم ووفقاً لضوابط قانونية محددة، وبموجب ضمانات أمنية واضحة.
وفيما يتعلق بجرائم الأخلاق والآداب العامة، فإنه وكما رأينا، بأن الحق في حرية التعبير لا يجب أن يكون على حساب هدم قواعد الأخلاق والآداب العامة، إذ يجب أن تنتهي حدود حرية التعبير، عندما يصطدم أو يؤدي إلى هدم قواعد الأخلاق والآداب العامة الراسخة في المجتمع، وبالنسبة لحماية قواعد الأخلاق والآداب العامة عبر الإنترنت، فإنه يكتنفها العديد من التعقيدات نظراً لإختلاف النظرة الإجتماعية لموضوع قواعد الأخلاق والآداب العامة من مجتمع إلى مجتمع آخر، مما يشكل تحدياً واضحاً في مواجهة هذه الطائفة من الإجرام من ناحية التشريع ومن ناحية الإجراءات الأمنية التي يجب أن تتخذها السلطات الأمنية المختصة.
أما فيما يتعلق بالنصوص القانونية الواردة في كل من التشريع العماني والمصري، فإن الباحث يرى أن النص الوارد في قانون العقوبات المصري أكثر ملائمة لإضفاء الحماية القانونية على قواعد ومبادئ الأخلاق والآداب العامة عبر الإنترنت، إذ أنه يحقق نوعاً من التوافق مع ما يمكن عرضه عبر هذه الشبكة من مواد تشكل جريمة إعتداء على الأخلاق والآداب العامة، لذا فإن الباحث يرى أن من المناسب النظر في تعديل نص المادة الواردة بقانون الجزاء العماني، إستهداءً بالنص الوارد بقانون العقوبات المصري الذي تمت الإشارة


الساعة الآن 01:07 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
ضاوي الغنامي تواصل::dawi ® طيور الامل © 1,0

Adsense Management by Losha

new notificatio by 9adq_ala7sas