أهلا وسهلا بكم في منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت نتمنى لكم اجمل الاوقات برفقتنا
ضع وصفاً للصورة الأولى الصغيره هنا1 ضع وصفاً للصورة الثانية الصغيره هنا2 ضع وصفاً للصورة الثالثه الصغيره هنا3 ضع وصفاً للصورة الرابعه الصغيره هنا4
العودة   منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت > منتدى المحاماه والقوانين والتشريعات > القانون الجنائي
« آخـــر الـــمـــشـــاركــــات »
         :: مفهوم الدعم والمقاومة (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: أفضل أنواع التداول (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: خطوات التسجيل في فرنسي تداول (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: شروط تسجيل عضوية بموقع حراج (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: رسوم الحساب الاستثماري في تداول الراجحي (آخر رد :دعاء يوسف علي)       :: اعتماد العزل (آخر رد :مروة مصطفي)       :: شركة امتلاك (آخر رد :مروة مصطفي)       :: كيفية شراء الاسهم الامريكية الحلال (آخر رد :سلمي علي)       :: طريقة تحويل العملات المختلفة (آخر رد :سلمي علي)       :: حجابات شيفون (آخر رد :سلمي علي)      

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-12-2013, 08:17 AM
مصطفى احمد مصطفى احمد غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2013
المشاركات: 1,100
افتراضي قانون الكمبيوتر _النظرية والمشتملات



*** قانون الكمبيوتر _النظرية والمشتملات ***

لماذا قانون الكمبيوتر؟ تحديد عام لأثر التقنية على القانون

ان كل اختراع او فتح علمي يفرز واقعا جديدا ويرتب آثارا ما كانت قائمة قبل وجوده وشيوعه ، فاختراع الطائرة مثلا خلق آثارا جديدة في حقل نقل الافراد والبضائع ، فالطائرة تجوب العديد من الاقاليم اثناء ترحالها في الفضاء الجوي الذي يعلو هذه الاقاليم ، والطائرة قد تكون وراء ضرر يلحق بالركاب على متنها وقد تعرض سطح الارض وما عليه من املاك واشخاص للخطر ، والطائرة وسيلة نقل هامة تتطلب اموالا هائلة للاستثمار وتتطلب ان تلحقها خدمات عديدة غير متصلة بالطائرة ذاتها وانما تتعلق بخدمات المسافرين والمطارات وخدمات الفضاء الجوي ، والطائرة فيما تملكه من قدرات التنقل والاختراق قد تعرض أمن الدولة للخطر ، ولضمان سلامة الطيران ورعاية قواعده وتوحيدها نشأت الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية والمتخصصة في حقل الطيران . هذه الاثار وغيرها افرزها هذا الاختراع العلمي المميز ، وتطلب التعامل معها حزمة من التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والاقليمية والثنائية ، عالجت وتعالج النظام القانوني للطائرة والمطارات وخدمات الركاب والشحن وما ينشأ في بيئتها من علاقات قانونية وتعالج المسؤولية عن الاضرار اللاحقة بالركاب وبالاشخاص والممتلكات على سطح الارض وغيرها العديد من المسائل فيما اصبح يعرف بالقانون الجوي ، وبايجاز فالطائرة خلقت فرعا جديدا من فروع القانون تتكامل فيه النظريات والقواعد وتمتد من النطاق الوطني الى النطاقين الاقليمي والدولي ، وذات الامر يقال بشأن العديد من المخترعات والاكتشافات.

وبذات المنطق – وربما بمدى اوسع – افرزت تقنية المعلومات آثارا شاملة على البناء الاداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والقانوني للدولة ، لقد اثرت على مختلف مناحي النشاط الانساني ، فما الذي اثارته وتثيره تقنية المعلومات في حقل القانون ؟؟ ما هي آثارها على قواعد القانون وفروع التشريع ؟؟؟ وهل حققت هذه الاثار ميلاد فرع قانوني جديد ؟؟؟


تأثير التقنية العالية على حقوق الانسان ( تشريعات الخصوصية والتشريعات الادارية التنظيمية ذات العلاقة بالبيانات )


يعد الحق في الخصوصية او الحق في حماية الحياة الخاصة واحدا من بين حقوق الانسان المعترف بها ، وقد اثرت تقنية المعلومات على هذا الحق على نحو اظهر امكان المساس به اذا لم تنظم انشطة تجميع ومعالجة وتبادل البيانات الشخصية ، واظهر الواقع العملي وجوب التدخل التشريعي لتنظيم انشطة معالجة البيانات المتصلة بالشخص وتنظيم عمليات تخزينها في بنوك وقواعد المعلومات وعمليات تبادلها ، وهذا التنظيم التشريعي ليس مجرد اقرار قواعد ذات محتوى تنظيمي ، بل امتد الى اقرار قواعد تتصل بالمسؤولية المدنية والجزائية عن انشطة مخالفة قواعد التعامل مع البيانات الشخصية سواء ما يرتكب من قبل القائمين على هذه الانشطة ام من قبل الغير ، اضافة الى التدخل التشريعي لتنظيم استخدام ونقل وتبادل وكشف المعلومات المتصلة بالمصالح الحكومية ، ومثل هذا الاثر لم يقتصر على البيانات الشخصية ، بل تعداه الى تنظيم المعلوماتية ومعاييرها في المصالح والمؤسسات الحكومية . ويتصل بهذا الموضوع التحديات المثارة بشأن تشفير البيانات اثناء نقلها وما نشهده في الوقت الحاضر من حركة تشريعية لتنظيم معايير سرية البيانات والانماط التقنية المقترحة لضمان السرية والخصوصية.

تأثير التقنية العالية على القواعد الجزائية الموضوعية والاجرائية ( قوانين العقوبات والاجراءات الجنائية )

ان الكمبيوتر – من حيث الوجه المظلم لاستخدامه - لعب ادوارا ثلاثة في حقل الجريمة ، فهو اما وسيلة متطورة لارتكاب الجرائم التقليدية بفعالية وبسرعة اكبر من الطرق التقليدية كما في التزوير او الاحتيال ، او هو الهدف التي تتوجه اليه الانماط الحديثة من السلوك الاجرامي التي تستهدف المعلومات ذاتها ، كما في اختراق النظم والدخول اليها دون تخويل والاستيلاء على البيانات واعتراض تبادلها أو تحويرها أو تدميرها بتقنيات الفايروسات الالكترونية وغيرها ، او هو البيئة بما تضمنه من محتوى غير قانوني كالمواقع المعلوماتية لانشطة ترويج المخدرات والانشطة الاباحية وغيرها ، وهو البيئة التخزينية والتبادلية التي تسهل ارتكاب الجرائم ، خاصة العابرة للحدود بما اتاحه من توفير مخازن للمعلومات والانشطة الجرمية.

ومع دخول الشبكات الاستخدام الواسع وتوفير البيئة التقنية لاقتحام النظم اينما وجدت ، ومع شيوع الانترنت ، تزايدت جرائم الكمبيوتر واستغلال الكمبيوتر والشبكات في الانشطة الاجرامية . اضف الى ذلك ان كشف الجرائم استلزم استخدام التقنيات الحديثة في عمليات التحري والتحقيق والكشف عن الادلة الجرمية . ومن الطبيعي في ظل نشوء انماط جرمية تستهدف مصالح اما معترف بحمايتها او لم تحظ بعد بالاعتراف المطلوب ، وتستهدف محلا ذا طبيعة مغايرة لمحل الجريمة فيما عرفته قوانين العقوبات القائمة ، ان يتدخل المشرع الجزائي لتوفير الحماية من هذه الانماط الخطرة من الجرائم لضمان فعالية مكافحتها سيما وان نظام العقاب الجزائي محكوم بقاعدتين رئيستين ، هما :- مبدأ الشرعية الموجب لعدم امكان العقاب على أي فعل دون نص قانوني محدد ، وقاعدة حظر القياس في النصوص التجريمية الموضوعية .

وبفعل الطبيعة الخاصة لأنماط الجريمة والقدرة على ارتكابها عبر الحدود والقدرة على اتلاف ادلة الجرمية ، فان القواعد الاجرائية الجنائية في ميدان التفتيش والضبط والتحقيق والاختصاص القضائي يتعين ان تواكب هذا التغير وتضمن تحقيق التوازن بين حماية الحق في المعلومات وبين متطلبات فعالية نظام العدالة الجنائي في الملاحقة والمساءلة ، من هنا كان تأثير التقنية العالية او تقنية المعلومات على قواعد القانون الجنائي الموضوعية والاجرائية الاميز والابرز من بين تأثيراتها على بقية فروع القانون .

تأثير التقنية العالية على الحقوق المعنوية ( تشريعات الملكية الفكرية)

ولأن المعلومات ذات طبيعة معنوية ، وبالرغم من اعتراف النظم القانونية منذ فترة طويلة بالحقوق المعنوية لمؤلفي المصنفات ذات المحتوى الفكري ، فان ما انتجته التقنية من ابداعات لا تنتهي في حقل البرمجيات المستخدمة للتشغيل وتنفيذ التطبيقات والمهام ، وما افرزته انشطة بناء قواعد المعلومات من ابداعات في حقل تبويبها وآليات استرجاعها وتبادلها ، والجهد الخلاق في ميدان تصميم المواقع على الانترنت ، والقيمة العالية لاسم الموقع على الانترنت ، وأهمية محتوى الموقع ، والاتجاه نحو النشر الالكتروني للمعلومات ، كل ذلك ادى الى ايجاد اهتمام – هو الاوسع – في ميدان حماية مبدعي عصر التقنية فيما ينتجوه من برمجيات وقواعد معلومات وفيما تنتجه الشركات الصانعة من دوائر طوبغرافية واشباه موصلات تحتوي اوامر تشغيل وهو ما ادى الى تطور نظام حماية الملكية الفكرية بتوسيع دائرة المصنفات محل الحماية وايجاد قواعد تتفق مع عناصر حماية الحق تبعا للنمط والمحتوى المستجد للمصنفات الناشئة في عصر تقنية المعلومات ، من هنا اوجدت تقنية المعلومات انماطا جديدة من المصنفات المستوجبة للحماية:-

برامج الكمبيوتر ، قواعد المعلومات الدوائر المتكاملة او طبوغرافيا اشباه الموصلات ، عناوين مواقع الانترنت ، مادة النشر الالكتروني

تأثير التقنية العالية على العلاقات التعاقدية والاثبات ( القانونين المدني والتجاري )

أمكن استغلال وسائل تقنية المعلومات في ابرام العقود المختلفة ، وأتيح بفضل ربط الحواسيب وشبكة الانترنت ، التعاقد الفوري بين شخصين غائبين واذا كانت التشريعات المدنية والتجارية قد وقفت فيما سبق امام فكرة التعاقد بواسطة التلكس أو الهاتف ، فانها مدعوة للوقوف امام استخدام نظم الكمبيوتر و شبكات المعلومات في التعاقد ، والوقوف امام طبيعة هذه التعاقدات ، واحكام التعاقد ، والوقوف امام مسائل الاثبات فيما انتجته الحواسيب والشبكات من مخرجات ، وبحث مدى حجية مستخرجات الحاسوب والبريد الالكتروني وقواعد البيانات المخزنة داخل النظم وغيرها . واذا كان البعض يرى ان التقنية ليست اكثر من تحقيق لفكرة التعاقد بين غائبين ، فان ذلك ينطوي على نظرة قاصرة ، لان هناك ابعادا تنظيمية فيما افرزته وسائل التقنية من انماط جديدة للعلاقات القانونية - وتحديدا في حقل التجارة الالكترونية والخدمات على الخط والتعاقد الالكتروني في الاسواق المالية كما سنرى تفصيلا في الكتاب المخصص لذلك من هذه الموسوعة - فقد انتجت وسائل التقنية العالية انماطا جديدة للتعاقد مستغلة ما وفرته من قدرات اتصالية للاشخاص المتباعدين مكانا ، اثارت وتثير العديد من الاشكالات حول مدى اعتراف القانون ، وتحديدا قواعد التعاقد ، بهذه الاليات الجديدة للتعبير عن الايجاب والقبول وبناء عناصر التعاقد ، كما اثارت وتثير اشكالات في ميدان الاثبات بكون النظم القانونية قد حددت الادلة المقبولة وحددت قواعد الاحتجاج بها وسلامة الاستدلال منها .

وفي خضم البحث في قانونية التعاقد بالطرق الالكترونية وحجية مستخرجات الوسائل التقنية في الاثبات ، ظهرت التجارة الالكترونية كنمط جديد من انماط التعامل التجاري ، لا في ميدان البيع والشراء وانما في ميادين التعاقد كافة ، كعقود التأمين والخدمات وغيرها . واثارت وتثير التقنية العالية وتحديدا محتواها الفني والمعرفي تحديات كبيرة في ميدان نقل التكنولوجيا والتبادل الفني والمعرفي والتزام مورد التكنولوجبا ومتلقيها . وقد اثرت الانماط المتطورة من تقنيات المعلومات على البناء التقليدي لعقود نقل التكنولوجيا المعروفة منذ منتصف القرن الماضي ، واظهرت التقنية تحديات قانونية تستلزم التنظيم بالنسبة لعقود تقنية المعلومات ، التوريد والبيع والصيانة والتطوير ورخص الاستخدام ، وبالنسبة لعقود الوكالات التجارية والتوزيع ، وعقود اشتراكات المعلوماتية وخدمات الاتصال ، وكان - وسيبقى الى حين - اوسع اثر لها في حقل التجارة الالكترونية والتعاقد الالكتروني
تأثير التقنية العالية على النشاط المالي والعمل المصرفي ( تشريعات البنوك والاسواق الخدمات المالية )

افرزت تقنية المعلومات وسائل حديثة لتقديم الخدمات المصرفية وادارة العمل البنكي ، ابرزها ظهر في حقل انظمة الدفع الالكتروني والدفع على الخط وادارة الحسابات عن بعد ، كما حدث بفعل التقنية شيوع بطاقات الدفع والائتمان المالية ، ويشيع الان مفهوم المحفظة والبطاقة الماهرة التي تمهد الطريق نحو انتهاء مفهوم النقد الورقي والمعدني وتفتح الباب امام مفهوم النقد الالكتروني او الرقمي او القيدي . الى جانب ذلك تطورت وسائل تداول الاوراق المالية وخدماتها ، فظهرت فكرة التعاقد الالكتروني والتبادل الالكتروني للاوراق الى جانب الاعتماد شبه الكلي في اسواق المال على تقنيات الحوسبة والاتصال في ادارة التداول وقيده واثبات علاقاته القانونية . ولعل اوسع اثر للتقنية في حقل العمل المصرفي نشوء مفهوم وفكرة البنوك الالكترونية ( بنوك الويب او بنوك الانترنت او البنوك الافتراضية ) ، هذه البنوك التي تجد وجودها في البيئة الافتراضية لا في الواقع الملموس ، وحتى في نطاقها (أي البنوك الالكترونية ذاتها ) ، تحقق تطور واسع في وسائل الادارة وتقديم الخدمة المصرفية بل وفي وسائل الرقابة والتهرب منها ، كل هذا ادى الى اعادة النظر بما هو سائد من مفاهيم تتعلق بجهات تقديم الخدمة وآليات الاشراف عليها ومحتوى الخدمة المصرفية والنشاط المصرفي ومعايير الشمولية والفعالية في ممارسة العمل البنكي .


تأثير التقنية العالية على ادارة ومحتوى انشطة الخدمات والاستثمار ( تشريعات الصناعة والتجارة وتشجيع الاستثمار والجمارك والضرائب والمناطق الحرة )

ان تقنية المعلومات أمست مرتكزا رئيسا لادارة النشاط التجاري والاستثماري الدولي ، اذ مكنت بشكل او بآخر من إسناد التوجهات الدولية في ميدان تحرير التجارة والخدمات ، وأمست تقنية المعلومات احدى متطلبات التنافس في هذا الحقل ، وكان من افرازاتها على المستوى الحكومي ما يعرف باسم الحكومة الالكترونية ، اما اهم افرازاتها في القطاع الخاص شبكات الاعمال الالكترونية واعتماد تحقيق عناصر اساسية من معايير الجودة الشاملة في الادارة والانتاج والخدمات القائمة على تقنية المعلومات ، وكان لا بد من ان تمتد تأثيرات تقنية المعلومات على المحتوى التنظيمي الذي تتضمنه قواعد تشريعات الجمارك والاستثمار والضرائب والمناطق الحرة وغيرها ، اضافة الى تأثيرها المباشر على محتوى المشروعات التجارية ، ولعل المتتبع للنشاط التجاري والاستثماري الدولي يجد ان صناعة البرمجيات ووسائل الاتصال وتجهيزات الحوسبة والاستثمار بقواعد المعلومات تحتل قمة هرم انشطة الانتاج والتجارة والاستثمار ، ومن الطبيعي ان يكون لهذا الاتجاه اثره على البناء القانوني لتشريعات الاستثمار والتجارة سواء القواعد التنظيمية والاجرائية ام القواعد ذات المحتوى الموضوعي

التنظيم الاداري والمعايير والمواصفات ( التشريعات الادارية وانظمة الواجبات والمسؤولية والمعايير في قطاعات تقنية المعلومات )

ان سوق تقنية المعلومات ، سوق انتاج وسائل الحوسبة والاتصال ، وسوق خدمات الاتصال والاتمتة ، يشهد اتساعا هائلا سواء من حيث نطاق السوق ام المشروعات ام من حيث العائدات ورؤوس الاموال المستخدمة ، اضافة الى تزايد اعداد مستخدمي التقنية ومشتركي شبكات المعلومات . سوق بهذه الاوصاف يستلزم تنظيما اداريا وتحديدا للمعايير والمواصفات.

ووسائل واغراض التنظيم وادواته مختلفة ومتعددة في هذا الحقل ، فمن جهة اوجبت تقنية المعلومات تنظيم القواعد المعيارية والمقاييس لمنتجاتها وخدماتها ، كما اوجبت بيان المسؤوليات على جهات تقديم الخدمة وجهات الانتاج وبيان حقوقها ايضا في مواجهة الجهات الاشرافية او المركزية او الجهات الحكومية . ومن جهة اخرى ، فان حقوق ومصالح المستخدم تتطلب تنظيما وتحديدا ، وهو ما يقع ضمن ما يعرف بتشريعات حماية المستهلك . ومما يتصل بهذا البعد النشاط التشريعي الحديث في حقل الحماية من المحتوى الضار لمواقع المعلوماتية على شبكة الانترنت ( وان كان بحثه يجري في نطاق امن المعلومات وجرائم الكمبيوتر ) ، وكذلك مسائل وقواعد المواصفات المعيارية لوسائل التقنية الموردة للمصالح الحكومية والمباعة للمستهلك . الى جانب هذين البعدين فان الاتجاه نحو تحرير قطاعات تقنية المعلومات والاتجاه نحو الخصخصة اظهر تحديات قانونية عديدة كانت وما تزال محلا لانشطة التنظيم القانوني لمشروعات التخاصية وتحرير الخدمات التقنية

تأثير التقنية العالية على ادارة نظم القضاء واعمال المحاماة وأنشطة التقاضي البديلة ( المعلوماتية القانونية )

تأثر الاداء الاداري بوجه عام باستخدام واتساع استخدام وسائل تقنية المعلومات ، وافادت قطاعات الاعمال والانتاج المختلفة من اثر التقنية على الاداء والسرعة وشمولية الخدمة او جودة الانتاج . ولم ينحصر ذلك في قطاع دون غيره ، فالاثر والاعتمادية الكبيرة على التقنية شمل القطاعين العام والخاص ، الانتاج والخدمات ، انشطة الادارة والانشطة الفنية . وكان من الطبيعي ان تتجه الجهات القائمة على ادارة نظم القضاء في العديد من الدول الى ادخال التقنية في انشطة التقاضي وفي نظام ادارة المحاكم ومراكز التحكيم ، وكذا اتجهت نظم العدالة الجنائية الى الاعتماد على تقنية المعلومات في تنفيذ وتسيير مهامها وزيادة فعاليتها وتضييق وقت انجازها للمهام لمواجهة مشكلات تراكم الاعمال وتزايدها .

ولأن مؤسسات ومكاتب المحاماة تتولى ادارة الانشطة القانونية للموكلين ، سواء الاستشارات او العقود او الدعاوى ، ولحاجة هذه المكاتب الى توفير عناصر الاداء المميز للخدمة القانونية مترافقة مع تحقيق عنصر السرعة والجودة في المخرج ، وللتزايد الهائل في حقل معلومات القانون وتنامي فروعه والحاجة الى المعرفة القانونية المتجاوزة النظام الوطني الى النطاقين الاقليمي والدولي ، ولما تتطلبه الانشطة القانونية في عصر تحرير الخدمات والتجارة من إلمام بالنظم القانونية المقارنة والتعامل مع لغات المواد والدراسات القانونية الاجنبية ، فان الاثر الطبيعي لكل ذلك تنامي انشطة المعلوماتية القانونية والاتجاه نحو أتمتة النشاط القضائي واعمال المحاماة . ان نشوء فرع المعلوماتية القانونية في حقل تقنية المعلومات يثير التساؤلات حول مدى الحاجة الى قواعد تشريعية تنظم هذا الحقل وتنظم التعامل مع وسائله ومخرجاته ، وبالفعل بوشر في عدد من الجامعات وكليات الحقوق تدريس فرع جديد من الدراسات القانونية عرف بالمعلوماتية القانونية ، وقد يكون بمفهومه الواسع- لدى البعض - تعبير عن كل موضوعات قانون الكمبيوتر ، ويجري التعامل معه في اطار معناه الضيق - لدى آخرين- بانه ما يتصل بتوظيف التكنولوجيا في النشاطين القضائي والقانوني
الولادة والتطور التاريخي لقانون الكمبيوتر - موجات التشريع في بيئة الكمبيوتر والانترنت

ان القراءة التاريخية التحليلية لحركة التشريع في حقل قانوني معين تقدم اساسا هاما لتحقيق رؤية شاملة في التعامل مع هذا الحقل ، مسائله وتحدياته وبدونها ، ربما لا يتحقق الانسجام والتناغم في الحلول والتدابير التشريعية التي تستهدف تنظيم هذا الحقل ، ومن أسف ان التعامل مع تشريعات تقنية المعلومات في غالبية النظم ، وربما حتى في اكثر الدول تقدما وانشطها في حقل تنظيم مسائل تقنية المعلومات ، بقي ضمن رؤى جزئية جاءت قاصرة عن الاحاطة الشاملة بالمتطلبات التشريعية والقانونية لهذا الحقل ، اذ يلحظ الدارس ان التعامل مع تقنية المعلومات تشريعيا تم خلال حقب زمنية متباينة وتناول قطاعات او موضوعات دون غيرها .

ففي ميدان جرائم الكمبيوتر مثلا ، تم التعامل مع الحماية الجنائية للمعلومات ضمن ثلاث محاور منفصلة ، اولها :- حماية البيانات الشخصية المخزنة في نظم المعلومات من مخاطر المعالجة الالية ، وهو ما يقع ضمن دراسات حقوق الانسان باعتباره ينصب على حماية الحق في الخصوصية Privacy أو الحياة الخاصة ، وثانيها:- حماية المعلومات ذات القيمة المالية او التي تمثل اصولا مالية من مخاطر الانماط الجرمية المستجدة التي تعتمد الكمبيوتر وسيلة للجريمة او هدفا او بيئة لها ، وهو ما عرف ايضا بجرائم الكمبيوتر Computer Crimes أو الجرائم المرتبطة بالكمبيوتر Computer-Related Crimes او جرائم الكمبيوتر ذات الطبيعة الاقتصادية, Economic Computer Crimes او غير ذلك من اصطلاحات دالة عليها، ويقع ضمن نطاق دراسات القانون الجنائي الموضوعي وهو ما عبر عنه بالعموم بوصفه الحق في المعلومات . وثالثها :- حماية برامج الحاسوب من مخاطر القرصنة المتمثلة بالنسخ غير المصرح به واعادة الانتاج والتقليد وهو ما يقع ضمن دراسات الملكية الفكرية وتحديدا حقل حماية حق المؤلف(1) . Copyright

ان محاولة تقصي التدابير التشريعية في حقل تقنية المعلومات يعني العودة الى بداية السبعينات ، فلماذا السبعينات ؟؟

ان التطور التاريخي لتقنية المعلومات ، يشير الى ان السبعينات تحديدا شهدت انتقالا حقيقيا في ميدان استخدام الحوسبة وتقاربها بانظمة الاتصالات ، فالسبعينات شهدت التوجه نحو بناء الحواسيب الشخصية وشهدت اتساعا تجاريا حقيقيا في استخدام الحوسبة ، وشهدت انجازات في حقل تشبيك الحواسيب وربطها مهدت لولادة عصر الشبكات. وبالرغم من ان العديد من المسائل المتصلة باستخدام الكمبيوتر قد اثيرت منذ الخمسينات والستينات ، - كما سنعرض في الفصل الخاص بالخصوصية والفصل الخاص بجرائم الكمبيوتر - الا ان تلك المعالجات لم تؤد الى اتخاذ تدابير تشريعية ، لتكون ولادة القوانين الحقيقية ذات الصلة بالكمبيوتر قد تحققت مع مطلع السبعينات .

ان المرور بمنحنيات الزمان والمكان والموضوع ، سيحملنا ضمن منحنيات متداخلة ، اذ يتحقق التداخل بين الفترات الزمنية لكل طائفة من التشريعات ، كما يتحقق التداخل بالنسبة للموضوعات محل التنظيم ، ودون القفز الى النتائج في هذا المقام ، فاننا سنعمد الى تقصي المسيرة التاريخية لتشريعات تقنية المعلومات ، من خلال تتبع موجات التشريع وتحديد اطارها العام فقط اما معالمها والمحتوى العام للتشريعات لكل موجة منها وقائمة هذه التشريعات فسيكون التفصيل بشانها موضوعا للفصول التالية .

ان تأقيت ولادة قانون الكمبيوتر او لنقل ملامحه الاولى بدأ مع شيوع استعمال الكمبيوتر وانخفاض كلفه ، ولأنه اداة جمع ومعالجة للمعلومات فقد كانت اول تحدياته القانونية اساءة الاستخدام على نحو يضر بمصالح الافراد والمؤسسات ، ومعه نشأ الارتباط بين القانون والكمبيوتر الذي انطلق من التساؤل فيما اذا كانت انشطة اساءة استخدام الكمبيوتر تقيم مسؤولية قانونية ام انها مجرد فعل غير مرغوب به اخلاقيا ؟ وما اذا كان يتعين تنظيم استخدام الكمبيوتر ام لا ؟؟ وهذا التساؤل اثير في حقلين ، الاول :- المسؤولية عن المساس بالافراد والمؤسسات عند اساءة التعامل مع بياناتهم الشخصية المخزنة في نظم الكمبيوتر على نحو يمس اسرارهم وحقهم في الخصوصية ، والثاني :- المسؤولية عن الافعال التي تمس او تعتدي على اموال الافراد ومصالحهم وعلى حقهم في المعلومات ذات القيمة الاقتصادية ، ولو دققنا في هذين الحقلين لوجدنا انفسنا امام ( الخصوصية ) و ( جرائم الكمبيوتر ) .

اذن ثمة حقيقة اولى ان ولادة قانون الكمبيوتر ارتبط بالبحث في المسؤولية عن انشطة تتصل بالمعلومات ونظمها وتحديدا في الحقل الجزائي.

والجدل الذي دار في ذلك الوقت ( الستينات تحديدا وامتد الى مطلع السبعينات ) اشبه بالجدل الدائر منذ نحو خمس سنوات بشأن الانترنت :- هل يتعين اخضاع التقنية الجديدة ، توظيفها واستخدامها - للتنظيم القانوني ام تترك للتنظيم الذاتي ، او كما يعبر عنه الفكر الراسمالي ( تنظيم السوق نفسه) فلا نكون امام قواعد قانونية تقر من الاطر الحاكمة بل امام قواعد سلوكية وشروط عقدية .

في هذا الاطار فان اول حالة موثقة لاساءة استخدام الكمبيوتر ترجع الى عام 1958 وفقا لما نشره معهد ستانفورد في الولايات المتحدة الامريكية ، ليبقى الحديث من ذلك الوقت وحتى مطلع السبعينات في اطار البعد الاخلاقي وقواعد السلوك المتعين ان تحكم استخدام الكمبيوتر ولتتجه الجهود والمواقف نحو حسم الجدل باعتبار اساءة استخدام الكمبيوتر فعلا موجبا للمسؤولية القانونية ، ولتنطلق التشريعات الوطنية في حقل جرائم الكمبيوتر مع نهاية السبعينات ( تحديدا في الولايات المتحدة ابتداء من 1978 ) . اما الجهد الدولي فقد تحقق ابتداء في حقل الخصوصية ، ففي عام 1968 ، شهد مؤتمر الامم المتحدة لحقوق الانسان ، طرح موضوع مخاطر التكنولوجيا على الحق في الخصوصية ، اذ بالرغم من ان الحق في الخصوصية نشا قبل هذا التاريخ وحظي بجدل قانوني وقضائي وفكري منذ مئات السنين ، فانه لم يكن ثمة اثارة لما يتصل بهذا الحق متعلقا بالمعلومات الشخصية المعالجة آليا بالقدر الذي اثير في المؤتمر المشار اليه ، والذي استتبعه اصدار الامم المتحدة - كما سنرى - قرارات في هذا الحقل لتشهد بداية السبعينات ( تحديدا عام 1973 في السويد ) انطلاق تشريعات قوانين حماية الخصوصية مع الاشارة الى انها نوقشت في نظم قانونية اجنبية كثيرة - كدول اوروبا الغربية مثلا - ضمن مفهوم حماية البيانات Data Protection .

اذن الحقيقة الثانية ، ان الخصوصية وحماية البيانات تمثل اول حقل من حقول قانون الكمبيوتر من حيث الاهتمام التنظيمي الدولي مع انها ترافقت مع الحديث حول جرائم الكمبيوتر وكما يظهر من تواريخ انطلاق التشريعات الوطنية فانهما سارا معا من حيث التدابير التشريعية الوطنية مع اسبقية لتشريعات الخصوصية طبعا مع موجة تشريعات الحماية القانونية للبرمجيات كما سنرى.

ولأن السبعينات شهدت بحق الادراك العميق لأهمية برامج الكمبيوتر وباتت تشير الى انها ستكون القيمة الاكثر اهمية من بين عناصر تقنية المعلومات وستفوق عتاد الكمبيوتر المادي في اهميتها ، فان مطلع السبعينات شهد جدلا واسعا حول موقع حماية برامج الكمبيوتر ، أهي قوانين براءات الاختراع بوصف البرنامج من المصنفات القابلة للاستثمار في حقل صناعات الكمبيوتر ام انها تشريعات حق المؤلف باعتبار البرنامج في الاساس ترتيب منطقي لاوامر كتابية ، هذا الجدل ربما لم يمنع من ان يتفق الجميع على وجوب الحماية ، لكن الخلاف كان في موضعها ، فالى جانب هذين التوجيهين ، كان ثمة آراء تجد في القواعد القانونية المدنية والشروط العقدية ( تحديدا في حقل المنافسة والاسرار ) موضعا مناسبا لحماية حقوق المبرمجين . في هذه البيئة الجدلية بدات تظهر التدابير التشريعية في حقل حماية البرمجيات اعتبارا من 1973 ( في الفلبين ) مع ان موجة هذه التشريعات يتم ارجاعها للثمانينات لان الاخيرة شهدت تدابير تشريعية وطنية واسعة في حقل حماية البرمجيات بسبب الاثر الذي تركته القواعد النموذجية لحماية برامج الكمبيوتر الموضوعة من خبراء المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الوايبو ) عام 1978

وصحيح ان تشريعات حماية البرامج ترافقت مع تشريعات الخصوصية وجرائم الكمبيوتر ، لكنها كانت اسرع تناميا واوضح من حيث الرؤى للمحتوى ولمستقبل هذه التشريعات ، ولهذا فانها اوسع مدى من حيث عددها واذا اردنا ان نعرف السر فانه في الحقيقة يرجع الى عاملين أساسيين ، الاول:- وجود المنظمة العالمية للملكية الفكرية ( الوايبو ) ، التي ساهمت عبر ملتقياتها وادلتها الارشادية وقوانينها النموذجية في حسم الجدل بشان موضع حماية البرمجيات ليكون قوانين حق المؤلف . والثاني :- التوجه الاستراتيجي للاسواق الراسمالية للاستثمار في حقل الملكية الفكرية ومصنفاتها كمقدمة لبناء الاقتصاد الرقمي الذي بدأت اول ملامحه في اتجاه الولايات المتحدة الامريكية مدفوعة بتأثير الشركات متعددة الجنسيات لوضع الملكية الفكرية ضمن اجندة اتفاقيات تحرير التجارة والخدمات ومساومة الولايات المتحدة العالم كله على قبول اتفاقيات تحرير التجارة في البضائع مقابل انجاز تقدم في حقلي تحرير الخدمات والملكية الفكرية (2) .

ولا يعني هذا ان بقية موضوعات تقنية المعلومات لم تحظ بدعم واهتمام هيئات دولية ، لكن الفرق ان ايا منها حتى ذلك الوقت لم يكن موضع عمل منظمة متخصصة فيه كما هو حال منظمة الوايبو التي تتولى رعاية الملكية الفكرية وادارة اتفاقياتها .

اذن الحقيقة الثالثة ، ان اكثر تشريعات قانون الكمبيوتر نضجا ووضوحا في اغراضها القوانين او التدابير التشريعية المتعلقة بحماية الملكية الفكرية لبرامج الكمبيوتر. وفيما بعد قواعد البيانات والدوائر المتكاملة. ويتصور ان تحقق هذه التشريعات ايضا حماية اوسع في السنوات القادمة في حقل اسماء مواقع الانترنت والمحتوى الرقمي لمواقع الانترنت.

وقبل ان نتواصل مع حقائق التاريخ ، علينا ان نصل في هذا المقام الى استنتاج ، ان مطلع السبعينات شهد الانطلاقة الحقيقة لموجة تشريعات الخصوصية وان السبعينات ايضا ( وعلى امتداد الثمانينات والتسعينات) شهد انطلاقة الموجة الثانية المتمثلة بقوانين جرائم الكمبيوتر ، في حين شهدت الثمانينات ( فعليا ) انطلاقة موجة ثالثة من التشريعات المتصلة بالكمبيوتر هي موجة تشريعات حماية البرمجيات التي تمثل المصنف الاهم من بين المصنفات الرقمية ذات الاتصال بالكمبيوتر .

ثلاثة موجات تشريعية :- تشريعات الخصوصية ( حماية الحق في البيانات الشخصية من مخاطر التكنولوجيا ) ، قوانين جرائم الكمبيوتر ( الاعتداء على نظم المعلومات والمعلومات ببعدها الاقتصادي ) وتشريعات حماية برامج الكمبيوتر ( الملكية الفكرية ) .

هذه حقول ثلاثة في ساحة قانون الكمبيوتر ، وسنجد بعد قليل ان ثمة حقل رابع يكاد يكون الوعاء الذي يضمها جميعا وهو حقل الاعمال الالكترونية ، لكن يفصل بين حقل الاعمال الالكترونية والحقول الثلاثة ، حقول اخرى ربما لا تكون مستقلة بشكل كاف في مبناها عن الفروع القانونية التي تتبعها لكنها بالتاكيد خلقت تغيرات جوهرية استلزمتها تقنية المعلومات .

فأول الحقول التي برزت عقب الحقول الثلاثة المتقدمة ، قواعد الاجراءات الجنائية للاستدلال والتحقيق والاثبات وإجراءات المحاكمة المتفقة مع طبيعة الاعتداءات في الدعاوى التي تتعلق بجرائم الكمبيوتر او الاعتداء على الخصوصية وحتى في حقل قرصنة برمجيات الحاسوب المخزنة داخل النظم او المحملة مع الاجهزة . وبالرغم من ان الدول الاوروبية واستراليا كذلك قد تنبهت لهذا الموضوع مبكرا مع مطلع السبعينات الا ان الموجة التشريعية المتصلة بهذه القواعد بدات حقيقة وعلى نطاق واسع في منتصف الثمانينات ( ابتداء من عام 1984 بريطانيا).

تبع هذا الحقل تدابير تشريعية في ثلاثة حقول اخرى كان للانترنت وشبكات المعلومات ونماء استثمارات الخدمات التقنية الدور في توجيه الاهتمام الحقيقي بها، بل في ولادة مفهوم جديد لبداياتها التي ظهرت قبل شيوع الانترنت ، فمع تحول الانترنت الى الاستخدام التجاري الواسع ، ظهرت تحديات قانونية جديدة ، بعضها ذو اتصال بتحديات سابقة أو قائمة ، كتحديات حماية امن المعلومات في حقلي الخصوصية وجرائم الكمبيوتر وحماية البرامج في بيئة الانترنت ذاتها ، لما اتاحته من تسهيل ارتكاب الاعتداءات بعد ان وفرت مدخلا سهلا الى نظم الكمبيوتر المرتبطة ضمنها . وتحديات اخرى أوجبتها انماط السلوك الجدية التي ولدت بولادة الانترنت ، كالبيع والشراء على الشبكات وادء الخدمة عبر الانترنت ، ومن هذه التحديات التنظيم القانوني للتجارة الالكترونية . هذه التحديات التي اوجدتها او ضخمتها الانترنت او عدلت في نطاقها ومخاطرها وجديتها ، رافقها موجات تشريعية بدات في حقل ما يعرف بتنظيم الامن المعلوماتي والمعايير التقنية وتحديدا ما يتصل بتشفير البيانات ، التي انطلقت في عام 1990 من فرنسا تحديدا ، ثم في حقل مكافحة المحتوى غير القانوني للمعلوماتية ، الذي انطلق عام 1996 في امريكا . واخيرا الحقل الاكثر اثارة للجدل واوسعها تنظيما ، حقل الاعمال الالكترونية الذي اشرنا اعلاه الى انه الحقل الرابع المركزي الى جانب جرائم الكمبيوتر والخصوصية والملكية الفكرية . وحقل الاعمال الالكتروني ليس لاحقا للحقول الاخيرة الثلاث ، انما قد نجد تشريعات في اطاره ، كالتشريعات المتعلقة بتقنيات الاعمال المصرفية ، او تلك المتعلقة بحجية الاثبات بالوسائل الالكترونية ، سابق بسنوات عديدة للحقول المشار اليها ، لكن قولنا بانه الحقل الاخير زمنيا يرجع الى تبلور مفاهيم شمولية جديدة في حقل الاعمال الالكترونية عكسها تحديدا مفهوم التجارة الالكترونية والبنوك الالكترونية . وهذا المفهوم الشامل نجد انه انطلق مع عام 1996 الذي شهد اقرار القانون النموذجي للتجارة الالكترونية من قبل لجنة الامم المتحدة لقانون التجارة (اليونسترال) . وسنجد ان دولا على المستوى التشريعي كانت قد بدات الاهتمام بمسائل الاعمال الالكترونية ( كالاثبات بالوسائل الالكترونية وحجية مستخرجات الحاسوب والتنظيم القانوني لبطاقات الائتمان وغيرها ) من اواخر السبعينات وبداية الثمانينات ، لكنها لم تكن ضمن التصور الشامل للتجارة الالكترونية التي ارتبطت واقعا بانشطة الاستثمار على الانترنت .

اما من حيث الاطر الدولية العاملة في ميادين الموضوعات المتقدمة ، فاننا سنجد الجهد الاساسي والمميز موزع بين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وهيئات اوروبا ( مجلس اوروبا والمفوضية الاوروبية واتحاد اوروبا والبرلمان الاوروبي ) والامم المتحدة ، ومجموعة الدول الصناعية الثمانية والوايبو ، والانتربول ، ومنظمة التجارة الدولية وغيرها من المنظمات.

اذن هذا خط اندلاع موجات تشريعات قانون الكمبيوتر :-

الخصوصية ، جرائم الكمبيوتر ، الملكية الفكرية للمصنفات الرقمية ، الاجراءات الجنائية في البيئة الرقمية ، المعايير والمواصفات والاطر التنظيمية للتقنية وتاثيرها على النشاط الاداري والخدمي ، المحتوى غير القانوني للمعلوماتية ، الاعمال الالكترونية وتحديدا التجارة الالكترونية ، وفي اطار كل منهما ثمة تشريعات ومجهودات دولية واقليمية وسياسات واستراتيجيات ومحتوى ومشكلات ايضا .
لماذا قانون الكمبيوتر؟ تحديد عام لأثر التقنية على القانون

هذه الحقول والموجات التشريعية - وان كانت سبعة وفق التوصيف المتقدم اربعة منها تكاد تستقل تماما في اطرها التنظيمية والتشريعية - الا ان كل منها شهد تطورا فتفرع في اطارها ايضا حقول اخرى ، بعضها يرتبط بغيره وبعضها يستقل في موضعه عنها ، لكن حركة التطور - كما سيظهر من تحليل موضوعات هذه الحقول - ياخذها شيئا فشيئا نحو التكاملية والتوحد في اطار واحد ، وهذا ما سيؤدي الى تبلور قانون الكمبيوتر كفرع مستقل عن بقية الفروع القانونية ، ولو اعدنا حصر كافة القطاعات المتقدمة وما تفرع عنها سنجد انفسنا امام الحقول التشريعية التالية في نطاق قانون الكمبيوتر :-

1- تشريعات الخصوصية او قواعد حماية تجميع ومعالجة وتخزين وتبادل البيانات الشخصية .

2- تشريعات جرائم الكمبيوتر ، ومن ثم تطورها لتشمل جرائم الانترنت وشبكات الاتصال ضمن مفهوم اشمل ( امن المعلومات )

3- تشريعات الملكية الفكرية في حقل حماية البرمجيات ومن ثم تطورها لتشمل بقية المصنفات الرقمية ، الى جانب تطورها على نحو يعكس الاتجاهات العالمية في ادراج الملكية الفكرية ضمن تنظيمات التجارة الدولية للتوجه الحاصل نحو الاقتصاد الرقمي والاقتصاد المؤسس على المعرفة ونحو راس المال الفكري .

4- تشريعات الاصول الاجرائية الجزائية ، وتشريعات الاثبات المتفقة مع عصر الكمبيوتر والمعلومات والتي هي في الحقيقة تطوير لقواعد الاجراءات والاثبات ، لكنها ايضا تتصل عضويا بالحقوق الجديدة المعترف بها في ميدان تقنية المعلومات .

5- تشريعات المحتوى الضار ( الحماية من محتوى المعلوماتية على الانترنت ) ، ثمة اتجاهات متباينة بين توجه لدمجها مع تشريعات امن المعلومات كما في اوروبا ، او استقلالها عنها كما في امريكا .

6- تشريعات معايير الامن المعلوماتي وتطورها الى تشريعات المواصفات القياسية لتبادل البيانات والتشفير ، وثمة ايضا اتجاهات لاعتبارها جزءا من تشريعات التجارة الالكترونية في حين هناك اتجاهات لتناول كل موضوع من مواضيعها في تشريع مستقل .

7- التشريعات المالية والمصرفية فيما يتصل بالمال الالكتروني وتقنيات الخدمات المصرفية والمالية وفي مقدمتها البطاقات المالية ونظم التحويل الالكتروني والتي تطورت لتشمل اطرا جديدة في حقل التوجه نحو الاتمتة الكاملة للعمل المصرفي والمالي ( البنوك الالكترونية ).

8- تشريعات الاستثمار والتجارة والضرائب والجمارك والاتصالات والانظمة الحكومية المرتبطة بالمشروعات التقنية او المتاثرة بتقنية المعلومات .

9- تشريعات التجارة الالكترونية ( التواقيع الالكترونية ، والتعاقد الالكتروني ، والتسوق الالكتروني ) ، وسنجد فيما ياتي ان هذه الطائفة تتضمن قواعد تتصل بكافة حقول تقنية المعلومات لانها اثارت تحديات فيها جميعا ، لهذا ثمة حقيقة ان التجارة الالكترونية وحدها برغم انها آخر حلقات تقنية المعلومات في الوقت الراهن الا انها الاطار الاوسع المؤهل لتوحيد قواعد قانون الكمبيوتر .

10- تشريعات ( اتفاقيات ومعاهدات ) الاختصاص والقانون المطبق على المنازعات القضائية في بيئة الانترنت ( بشكل خاص منازعات الملكية الفكرية ومنازعات التجارة والاعمال والبنوك الالكترونية )

امام الموجات التشريعية المتقدم الاشارة اليها ، وامام هذا التطور التاريخي والحصر المتقدم لحقول الموضوعات المتصلة بتقنية المعلومات وعلاقتها بالقانون ، يرد التساؤل :- ما هو قانون الكمبيوتر Computer Law ، أو قانون السيبر Cyber Law ؟ وماذا عن الاصطلاحات الدالة عليه ؟؟؟ ثم ، هل ثمة اساس لبناء نظرية عامة لقانون الكمبيوتر ، ام انه سيظل مجرد مبرر لتعديل قواعد قانونية قائمة في اكثر من فرع قانوني واكثر من تشريع في نطاق النظام القانوني الواحد .

3-1 في مفهوم قانون الكمبيوتر ونطاقه :-

ابتداء تجدر الاشارة الى ان كلمة ( سايبر لو - Cyber law ) اصطلاح دال على قانون الكمبيوتر او قانون تقنية المعلومات درج ضمن مجموعة اصطلاحات نحتت جميعها من تعبير ( سيبر سبيس - Cyberspace ) وهذا التعبير الاخير يترجم بمعان كثيرة ، ابرزها الفضاء التخيلي ، او الفضاء الالكتروني ، وهو مصطلح نحته المؤلف وليام جبسون William Gibson ليشير به الى الحقيقة التخيلية لشبكات الكمبيوتر . ويشيع استخدام هذا المصطلح كمرادف لكلمة " الإنترنت" او البيئة الرقمية ، بل انه يحل في الاستخدام الشائع مكان كافة التعبيرات المتصلة بتقنية المعلومات . وقد تفرع عنه عدد كبير من الاصطلاحات فنجد تعبير ( السيبر كاش - سايبركاش CyberCash ليدل على نظام دفع النقود بواسطة الشيكات الإلكترونية أو بطاقات الائتمان . وتعبير سيبر تايم Cyber time للدلالة على وقت الانترنت من الوجهة التقنية وعلى عصر الانترنت من الوجهة التوصيفية ، وتعبير ( سايبر كرايم - Cyber Crime ) للدلالة على الجرائم الالكترونية او جرائم الكمبيوتر ، وغيرها العشرات من التعبيرات التي تنطلق من فكرة البيئة التخيلية او الافتراضية او الرقمية لحقائق ومفاهيم واقعية ، لهذا من المهم معرفة ان هذا الاستخدام استخدام عملي شائع ، ولهذا فانه وان لم يكن بدقة الاصطلاحات الاكاديمة البديلة للتعبير عن ذات المعاني ، فان استخدامها ليس فيه خطأ سيما وانه يساهم في تقريب الموضوع الى اذهان المتلقين الذين تشيع بينهم اصطلاحات الانترنت ، وتخلق في اوساطهم ثقافة خاصة بهم (3) .

وبالعودة الى قانون الكمبيوتر ، فثمة خلط واسع في تحديد المقصود بقانون الكمبيوتر وذلك تبعا للرؤية التي يعتمد عليها في تحديد اقسام هذا الموضوع والاطار العلمي محل المعالجة (4) ، وثمة ايضا تباين بشأن مشتملاته ، فنجده عند الغالبية يتصل بجرائم الكمبيوتر وأمن المعلومات ونظمها فقط انطلاقا من ان هذا الفرع القانوني انما نشا في معرض الحماية القانونية للمعلومات وتحديدا الحماية الجنائية . ونجده عند آخرين الفرع المتعلق بالابداع وحماية الملكية الفكرية ، لربطهم الوجود القانوني للمعلومات بنظم المعالجة ودورها في انتاج المعرفة ولان المعلومات من حيث طبيعتها ( معنوية ) ، ونجده عند آخرين موضوعات مستقلة عن بعضها البعض لا يربطها الا تعلق أي منها بالكمبيوتر او برمجياته او الانترنت ، حتى وصل هذا التشتت الى درجة ان تتناول بعض مواقع الانترنت قانون الكمبيوتر ضمن رؤوس موضوعات ، فتضع فيه أي موضوع قانوني على صلة بالكمبيوتر حتى لو كان عقود بيع الكمبيوتر كمنقولات مادية . وبرأينا ان هذا التشتت طبيعي في ظل عدم الانطلاق من نظرية عامة تؤطر هذا الفرع المستجد.

ولو عدنا الى تاريخ نشأة القوانين ، كل فرع على حده ، لوجدناها قد نشأت ضمن تطور طبيعي تاريخي انطلق من حاجات التنظيم القانوني للعلاقات المستجدة ، لتكون في بدايتها تنظيمات جزئية ومن ثم تتطور الى نظريات قانونية عامة فتعود القواعد الفرعية جزء من كل محكوم بالنظريات الشمولية والاكثر من هذه الفروع القانونية نشأ في بيئة العرف القانوني وقواعد السلوك التي احتاجت فيما بعد للتقنين القانوني ووضع المدونات التشريعية او احتاجت على الاقل الى استقرار قضائي بشانها ، لكن تقنية المعلومات المتسارعة في حركتها الداخلية وفيما تفرزه من تحديات وتفرضه من تغيرات في انماط السلوك والعلاقات القانونية ، جعل الحاجة الى التدخل التشريعي اقرب الى الاستراتيجية المتلائمة معها من انتظار سيادة اعراف سلوكية تتحول الى اعراف قانونية ، لهذا كان نشوء هذا الفرع واقعيا اسرع من غيره وهو امر طبيعي لان العصر موضوع هذا الفرع اسرع في تكامل ملامحه من غيره كما اوضحنا في القسم الاول .

القانون الجوي على سبيل المثال ، لم ينشأ بمجرد اختراع الطائرة ، لكنه نشأ عند توفر الحاجات العملية الى تنظيم استخدام الطائر وتنظيم المسؤوليات القانونية المتصلة بهذا الاستخدام ، وصحيح ان قواعده في حقل المسؤولية مثلا قد تكون في غالبيتها تطبيق للقواعد القانونية العامة في هذا الحقل ، لكن كثيرا منها ايضا مثل خروجا عن القواعد العامة ، لهذا كان لزاما ان ينطلق بناء نظريات هذا القانون من خصوصية المحل الذي ينظمه ، فالطائرة ، وهي في حقيقتها منقول مادي ، لم تكن لتحتمل قواعد المنقولات في كل الاحوال ، لان ما يتصل باستخدامها مختلف عن العلاقات التي تتصل باستخدام الاموال المنقولة الاخرى ، وبفعل جهد دولي واقليمي ووطني وتظافر الاراء القانونية والفنية وآراء قطاعات الاقتصاد الخدمي في حقل الطيران ، تبلور هذا الفرع وجمع في اطاره قواعد عديدة انتمت الى اكثر من فرع عام ، فنجده يضم قواعد ادارية تنظيمية وقواعد تتصل بالمسؤوليات والحقوق المدنية واخرى تتعلق بالحماية الجزائية ، ولو عدنا الى فحصها قاعدة قاعدة نجدها في الغالب تمحورت حول الطبيعة الخاصة للطائرة قيمة ومهاما واستخداما وما اتصل بها منخدمات فرعية وما تعلق بها جميعا من علاقات قانونية وواجبات قانونية ، فالطائرة اساس فكرة القانون الجوي وفي نطاقها صيغت نظريات الاخطار الجوية والمسؤوليات القانونية للناقل في حقل نقل الركاب والبضائع وغيرها ، ومن الطبيعي ان تصاغ العديد من قواعده سندا لنظريات قائمة في فرع يتحقق فيه اتصال بالقانون الجوي وهو القانون البحري ، لهذا لن نجد كثيرا من التباين في حقل التزامات الناقل الجوي والبحري بشان البضائع الا في حدود تباين مميزات النقل ذاته ، لكن كل هذا لا ينفي ان نظريات عامة قد صيغت لبناء هذا الفرع القانوني ، والطائرة راس الحربة في صياغتها ، ليست بذاتها بقدر ما هي واسطة النقل الجوي ، فما هو راس الحربة في صياغة قانون الكمبيوتر ؟؟؟

ربما يكون التصور الاولي انه الكمبيوتر ؟؟ لكنه قطعا ليس التصور الصحيح اذا ما تعاملنا معه كجهاز ، لان التلفزيون مثلا لم ينتج فرعا قانونيا مستقلا ، حتى بالنسبة للاعلام وقوانينه فانه لا يمثل اكثر من واسطة من وسائط الاعلام ذاته الذي يقوم اساسه نقل المعلومات للاخرين باشكالها المختلفة مرتبطا بالثقافة وبحرية الراي والتعبير . لكننا لو عدنا لمفهوم الكمبيوتر الشامل كاداة لمعالجة البيانات ، لوجدنا ان ( وجوده الحيوي ) يتعلق بالمعلومات باشكالها العديدة وانماط السلوك التي اتصلت بالتعامل مع المعلومات واستثمارها ، فالكمبيوتر دون قيمة ان لم تتوفر المعطيات والبرامج ، والبرامج عبارة عن اوامر تنظم لتنتج برنامجا ذا هدف اما تشغيل الكمبيوتر او انفاذ مهمات تطبيقية فيه ، اذن البرنامج معلومات . وقواعد البيانات المخزنة داخل نظم المعلومات قد تضم بيانات خام تعكس حقائق لا تتغير ، كالبيانات الشخصية مثل الاسم وتاريخ الميلاد وغيرها ، وقد تضم قواعد معرفية وحقائق ثابتة ، كقواعد البيانات التي تتضمن حقائق علمية او قرارات محاكم القضاء مثلا ، وقد تكون قواعد انتاجية لمعلومات معتمدة على بيانات خام مدخلة داخل النظم ، ومثالها قواعد البيانات المستخدمة في تنفيذ طلبات او الاجابة عن تساؤلات معينة . ومواقع الانترنت تحتوى صورا واصواتا وكتابات نصية ، وهي جميعا معلومات ، بعضها منتج كجهد ابداعي وبضعها الاخر حقائق اعلامية او معرفية لا اكثر .

اذن ، مادة الكمبيوتر ، بل هدف وجوده ، يتمثل بالمعلومات ( بمعناها الشامل للبيانات والمعلومات والمعطيات ) لهذا صح القول ان محل نظريات قانون الكمبيوتر هي المعلومات وهي اساس بناء قواعده ، وعندما نقول المعلومات فاننا نعنيها بذاتها وبنظم معالجتها وبانماط استغلالها ، وطبائع السلوك والتصرفات المتصلة بها .

ومن الحق التساؤل ؟ لماذا اذن لا يكون القانون هذا قانون المعلومات؟؟ (5)

الحقيقة ان هذا الاستخدام من وجهة نظرنا وفي اطار استنتاجاتنا المتقدمة اكثر دقة في الدلالة على هذا الفرع ، كما ان استخدام الاصطلاحين على نحو مترادف امر صحيح ، لكن شيوع تعبير او اصطلاح قانون الكمبيوتر انما نشأ عن الاهمية الاستثنائية للكمبيوتر كوسيلة لحفظ وخزن ومعالجة ونقل المعلومات ، اضافة الى ان الاعتراف للمعلومات بالحق القانوني في الحماية والمحل القانوني للمصالح الناشئة ارتبط لدى القانونيين بوعاء المعلومة لا بذاتها ، فحماية حق المؤلف لم يمتد لحماية الافكار والخوارزميات انما للشكل النهائي الذي افرغ فيه الابداع ، فكانت حماية البرامج بوصفها اوامر مرتبة يتمثل الابداع فيها في عملية الترتيب لا في الخوارزميات محلها ، وحماية قواعد البيانات ، لا يمتد للبيانات محل القاعدة بل لتصنيفها وتبويبها الابداعي وهكذا .

ولان اساس قانون الكمبيوتر ومبرر وجوده الحماية القانونية للمعلومات ، فان قصره على جرائم الكمبيوتر المتصلة بحماية استخدام الكمبيوتر ومخزونه المعلوماتي والحق في ملكية المعلومة ذات القيمة الاقتصادية اما بذاتها او بما تمثله ، قد اغفل اوجه حماية اخرى وانماطا معلوماتية اخرى ، فاغفل بذلك البيانات الشخصية مثلا ، واغفل حماية انماط التعامل الالكتروني مع المعلومات ، واغفل العلاقات العقدية في بيئة المعلومات .

وقصره ايضا على حماية الملكية الفكرية ، يحقق الحماية فقط لأوعية المعلومات واشكالها النهائية المنطوية على عنصر ابداعي ، ويغفل حماية استخدام نظمها ويغفل حماية المعلومات ذات القيمة الاقتصادية . ومثل هذا القول ينسحب على أي رأي يحصر قانون الكمبيوتر باحد حقوله ليكون عاجزا عن شمول مفردات حماية المعلومات .

اذن المعلومات اساس الحماية ، ولن يجد القارئ الكريم جدلا في أي مسألة اكثر من الجدل في تحديد مفهوم المعلومات وتعريفها وما يتصل بها من حقوق (6) على مدى اصبح من الشائع ان نسمع عبارة ( المعلومات عصية على التعريف ) وتبعا لهذا الموقف ايضا سمعنا ونسمع ان ( جرائم الكمبيوتر تأبى التعريف ) ( والمعلوماتية تأبى الخضوع لفكرة التعريف ) وهكذا . والحقيقة ان كل هذا الجدل مصدره التباين في العلم موضع البحث عند الاتجاه للتعريف ، فعلم المعلومات ربطها دوما بمادة المعرفة ، وعلم الاعلام ربط المعلومة بوسائل توصيل المعلومة وبالاتصال ومهاراته ، وعلم الحوسبة ربط المعلومة بانشطة المعالجة وسلوكيات استثمارها ، وعلم القانون تعامل مع المعلومة في نطاق المصلحة محل الحماية والحق الذي يحميه القانون ، وثمة تركيز على تحديد ما يتعلق او يتصل بها من مصالح او حقوق وما يرد عليها من قيود ، وتقييم الموقف من الاعتراف بهذه المصالح او الاقرار بهذه الحقوق.

اذا انطلقنا من التحديد المتقدم والحقائق التاريخية لنشوء هذا الفرع ، فاننا نصل الى ان قانون الكمبيوتر هو ذلك الفرع الذي ظهر بسبب المسائل القانونية المستجدة والفريدة التي نشأت من استخدام الكمبيوتر والإنترنت ، ويتميز عن غيره من الفروع بأنه متعدد الأثر والتأثير ، فهو يطال فروعا قانونية عديدة من الفروع المعروفة ضمن تقسيمات القانون ، ويشمل في نطاقه مسائل التعاقد ، والإثبات ، والضرر ، والملكية الفكرية ، والتوظيف ، والدستورية، والبنوك ، والجزائي، والإجراءات ، والمدنية …الخ

ومن جهة أخرى ، وبرغم اتساع وتشعب مسائله ، فانه فرع ضيق يتعلق بمساحة ضيقة هي المسائل المرتبطة بالكمبيوتر ( Computer - related topics ) ، على أن يكون مفهوما أن الكمبيوتر ليس مجرد الحوسبة ومعالجة البيانات ، بل المفهوم الشامل للكمبيوتر كنظام إدخال وخزن ومعالجة وتبادل ونقل للبيانات ، أي يشمل وسائل الحوسبة والاتصالات بتفرعاتها العديدة ، والمعبر عن دمجهما في هذه المرحلة بشبكات المعلومات وفي مقدمتها الإنترنت .

والاطار الضيق لقانون الكمبيوتر - من حيث يتعلق بالكمبيوتر واثره - تمتد بالمقابل الى مساحة رحبة من الإجابة عن تساؤلات عديدة ، تغطي مسائل متنوعة ، تتعلق بمسؤوليات مختلفة المنشأ والمصدر :- كيف احمي برنامج الكمبيوتر ؟ هل يمكنني مقاضاة مزود خدمة الإنترنت على انقطاع الخدمة ؟ هل يمكنني مراقبة أداء الموظفين عبر البريد الإلكتروني ورسائلهم في بيئة العمل ؟ هل إبرام العقد على الإنترنت صحيح ؟؟ كيف السبيل لإنشاء موقع على الإنترنت وحماية محتواه من القرصنة ؟ هل إرسال رسالة ممازحة عبر البريد الإلكتروني وتكرار ذلك بشكل يثقل نظام المتلقي ويزحمه يشكل مسؤولية قانونية ؟! كيف يجازى من يطلع على أسرار مؤسسته التجارية عبر الدخول الى نظام الكمبيوتر ؟؟ هل تعتبر الرسائل الموقعة رقميا رسائل صحيحة موقعه مني ؟؟ هل إنزال مقطوعة موسيقية عن الشبكة ووضعها على كمبيوتري الشخصي يخلق مسؤولية قانونية ؟؟

أن الكمبيوتر اكثر من مجرد تقنية جديدة ، انه وسيلة مؤثرة في تغيير اتجاهات الثقافة والسلوك انه يمس كل ما نفعل ويخلق عدد من المسائل القانونية خلال ذلك ، حتى أن المفاهيم القانونية الرئيسة والبديهية قد تأثرت ؛ فحتى وقت قريب ما كان أحد أن يتصور أن الآلة ممثلة بالكمبيوتر ، قد تقوم بتصرفات أو تبرم عقودا ، لكن الآن ثمة العديد من نظم الكمبيوتر الذكية المرتبطة بشبكة الإنترنت تقوم بإبرام تصرفات وعقود دون تدخل بشري ، الطلبات تجري من كمبيوتر لكمبيوتر ، البضائع تنقل والنقود تتداول … ماذا يحصل عندما يحدث خطا في الكمبيوتر أو في إنفاذ أي كمبيوتر للصفقة على نحو خاطئ ؟ هل يخل الكمبيوتر بالعقد ؟

ان مبالغ ضخمة تستثمر في حقل التكنولوجيا ، إنشاء وشراء الشبكات واطلاق مواقع الإنترنت ( web sites ) ، الاستثمار في قواعد البيانات وعمليات المعالجة ، البرمجة وتطوير البرمجيات ، الخدمات التقنية بمختلف أنواعها ، ولو دققنا في هذه الأنشطة لنتبين - مثلا - الجهة التي تقوم بتنظيم عقودها ، لاكتشفنا حقيقة غريبة ، وهي أن غالبية العقود - خاصة التي تعقد في البيئة العربية - يضعها إداريون وتقنيون وماليون ولكنهم قطعا ليسوا من مجتمع القانون المختص بهكذا أعمال .. لماذا ؟ لان هكذا عقود تتطلب لاعدادها فهما وإدراكا للجوانب التقنية ، إدراكا للجوانب العملية لتصرفات المستهلكين وجهات الإنتاج والخدمة ، والاطلاع على الجديد من القوانين . وليس في البيئة العربية فحسب ، بل حتى في دول متقدمة ، ثمة عقود ضعيفة البناء ، فقيرة المحتوى ، مع أن جدة هذه الموضوعات تفرض عقودا اكثر عمقا وتعميقا لأنها ستمثل في الحقيقة القانون الذي يحكم النزاع ، وضعف العقود وثغراتها هو الذي يخلق منازعات متعددة في الواقع العملي . والأصل أن المحامين إذ يتولون إعداد العقود فانهم يهدفون الى منع النزاع - على الأقل في المسائل الرئيسة - وترك جانب قليل ليكون محل خصام ، ولا يعقل أن تكون التكنولوجيا عاجزة عن منع النزاع ، أو بشكل أسوء ، ان تكون هذه العقود السبب في حصوله ، عند عدم دقتها وعند اتصافها بالعمومية بما تفتحه من فرصة لكل طرف للتشبث بما يخدم مصلحته ويبرر مسلكه .

أن عقود الكمبيوتر ( Computer Contracts ) والخدمات التقنية الجيدة - كعقود توريد الأجهزة ، ونقل المعرفة ، وعقود البرمجيات ورخصها ، وعقود الخدمات التقنية في المؤسسات المالية او عقود خدمات بناء المواقع وادارتها ، والدعم والتطوير وعقود خدمات الإعلان الإلكتروني …الخ - هي التي تجيب عن الاسئلة الرئيسة في الحقل أو الموضوع الذي تعالجه :- ما الذي يؤديه النظام التقني ؟ ما هي سرعة الأداء ؟ كيف تؤدى الخدمة ؟ ما هي خيارات المستخدم ؟ ما هو الفحص أو المعاينة المقبولة لقبول الأجهزة أو البرمجيات الجديدة ؟ ما هي كفالة الضمان وما هي شروطها ومدتها ونطاقها ؟ ما هي حدود المسؤولية ، أهي مطلقة أم مسؤولية محددة ، ووفقا لماذا هي محددة ، وما مقدارها ، والى أي مدى يتفق تحديد المسؤولية مع قواعد النظام القانوني ؟ هل ثمة قيود على تحديد المسؤولية في بيئة الكمبيوتر؟ ماذا عن قواعد حماية المستهلك ؟ من يملك حقوق الملكية الفكرية؟ لمن تؤول عند انتهاء الشراكات خاصة شراكات الأعمال غير المسجلة ؟ ما هي معايير الخدمة التقنية ، السرعة ، مدة الانقطاع ، المسؤولية عن الانقطاع ؟ اين يتم حل النزاع ، كيف يتم حله ، أي قانون يطبق ؟

وقانون الكمبيوتر يختص أيضا بشؤون الشركات العاملة في حقل صناعة الكمبيوتر والبرمجيات والاتصالات أو النقل ، شركات تقنية المعلومات ( IT Companies ) ، كمزودي خدمات الإنترنت ( 'ISP' Internet Service Provider ) ، ومنتجي الكمبيوتر والبرمجيات ( Manufacturers ) والموزعين ( Distributors ) ومطوري البرامج ومواقع الإنترنت ( Software and web site developers ) ومحللي النظم والشبكات واختصاصيي تكاملها ( Network integrators ) وغيرها في حقل صناعة الكمبيوتر والشبكات والبرمجيات ، وجميعها تتطلع الى قانون الكمبيوتر لتحمي نفسها وتحقق اغراضها من خلال المشورة القانونية التي يقدمها قانون الكمبيوتر . انهم يحتاجون القانون من اجل عقد الصفقات ، رخص الملكية الفكرية ، حقوق التوزيع والإعلان ، قانونية ما يقدمونه من مواد أو خدمات ، أو يحتاجونه لينظم لهم عملية إطلاق خدمات تجارة إلكترونية مثلا أو خدمات إلكترونية أخرى .

قد تحتاج شركات تزويد خدمات الإنترنت لتعرف مسؤوليتها تجاه المشتركين معها ، كالمسؤولية عن عدم وصول البريد الإلكتروني ، أو مسؤوليتهم عند قيام أحد مشتركيهم بإرسال رسالة تهديد أو رسالة مساس بسمعة الغير أو قيامه بأي عمل غير قانوني عبر الشبكة من خلالهم ، وقد تحتاج هذه الشركة معرفة موقف القانون عندما تطلب منها جهة تحقيق ، كالشرطة الفدرالية الأمريكية مثلا ( FBI ) ، المعلومات السرية عن المشتركين ومراسلاتهم . وقد يحتاجون القانون - وهم يحتاجونه - عند إبرام صفقات البيع والشراء والاندماج والمشاركة المتصلة بأعمالهم .

يوما بعد يوم تزداد الحاجة للمشورة القانونية في بيئة الإنترنت ، أكثرها مؤخرا - وعلى سبيل المثال فقط - المسؤولية في حقل المواقع التي تقدم خدمات الرهان والمقامرة بأشكالها المختلفة ، فالمقامرة تزداد على الشبكة ، ولا تزال الدول الغربية تبحث في الموقف منها وكيفية تنظيمها ، طبعا بالنسبة للدول التي تبيح هذه الأنشطة وتنظمها تشريعيا . وبين مرحلة التنظيم وخلو الساحة من قواعد مانعة يظل السؤال قائما ، هل يمكن ممارسة أعمال المقامرة على الشبكة دون أن تتحقق مساءلة قانونية ؟ ان مقامرين كثر يجدون السكوت القانوني فرصة ، ويستبقون التنظيم بالعمل ، لأنها فرصة للكسب السريع ومصدر متدفق للنقود !

الاختصاص بنظر منازعات الإنترنت ، القانون الواجب التطبيق ، مشروعية امتداد التحقيق والتفتيش والضبط الى خارج الحدود ، الاعتراف القانوني بوسائل التعاقد الإلكترونية والمراسلات الإلكترونية . حماية البيانات الشخصية من أنشطة الاعتداء ، سواء من الغير أم من جهات معالجة هذه البيانات ، الانماط الجديدة في الاستيلاء على المال عبر استخدام الكمبيوتر ، انشطة المساس بنظم الكمبيوتر والمعطيات المخزنة فيها ، موقف المحاكم من منازعات الإنترنت ، قبولا واختصاصا ومحتوى … إنها جميعا من مسائل قانون الكمبيوتر والى جوارها مسائل كثيرة أخرى .

اذن ، فقانون الكمبيوتر هو كل شيء عن تآلف الكمبيوتر والإنترنت والفضاء الافتراضي مع النظامين الاقتصادي والقانوني للدولة ، انه مصدر خلق احكام واقرار نتائج قابلة للإدراك والتنبؤ بها في ظل التصرفات الافتراضية وفي اطار البيئة الافتراضية ، وذلك من خلال قواعد عقدية وقانونية واضحة. ويعدو قانون الكمبيوتر لذلك ، الفرع القانوني الذي يعنى بالقواعد القانونية الناجمة عن استخدام الكمبيوتر بمفهومه الواسع ( الدمج بين الحوسبة والاتصالات ومحتوى المواقع المعلوماتية ) وتتصل بعمليات الكمبيوتر أو شبكات المعلومات ( وتحديدا الانترنت ) ، وبأي تصرف أو سلوك في هذا الاطار يتصل بالمعلومات ونظمها .

إننا في الوقت الحاضر ، وبرغم موجات التشريع المتتالية في حقل قانون الكمبيوتر - المتقدم بيانها - لا نزال في مقام تغيب فيه أجوبة للعديد من التساؤلات ، وكثير من الاسئلة تعاني من إجابات غير واضحة أو من مواقف غير مؤكدة ، والتحدي الاكبر من مجرد ايجاد حلول للقائم من مسائل الكمبيوتر ، يتمثل باننا بقدر ما ندرك حقيقة قانون الكمبيوتر هذه الأيام بقدر ما سنكون قادرين على معرفة اتجاهاته المستقبلية والجديد فيه (7) .

3-2 قانون الكمبيوتر :- المبادئ العامة ، الحقوق والمصالح

المعلومات ، هل هي ، مال ، شيء ، شيء ذو قيمة ، كيان ، كيان معنوي . هل لأنها تتصل غالبا بوعاء تفرغ فيه ترتبط عضويا بوعائها لذا فهي شيء مادي بالنظر للوعاء المفرغة فيه ؟؟

ان المعلومات ذات طبيعة معنوية ، تستقل تماما من حيث الاصل عن الوعاء المفرغة فيه ، وتعدو النظرة قاصرة ان اتجهت نظريات قانون الكمبيوتر نحو حماية المعلومات وفق وعائها .

والمعلومات شائعة من حيث الاصل ، وحصيلة تراكم معرفي بشري ، ومن هنا ينشأ لكل فرد الحق في الوصول اليها ، ويتعين ان يكفل حق انسيابها وتدفقها ، وهذا هو جوهر واساس فكرة الحق في المعلومات .

لكن المعلومات فيما اتجهت اليه انشطة تقنية المعلومات :-

اولا :- اما انها امست بذاتها ذات قيمة اقتصادية عالية تزداد يوما بعد يوم ، لذا وصفت وتوصف بانها المال ، والمال من حيث الاصل يحظى بهذه الصفة لاتصاله بحق التملك ، ملكية فرد او شخص للمال ، فمتى ما كانت المعلومات مال فانها قابلة للتملك وهو ما يفرز مفهوم الحق في ملكية المعلومات .

ثانيا :- او انها - أي المعلومات - قد تتصل بشخص دون غيره عندما تتعلق ببياناته الاسمية او الشخصية ، لكنها تستخدم من الغير ، وبالذات السلطات ، لاغراض تتصل بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الدولة ، من هنا تنشئ المعلومات حقا في السيطرة عليها ، وحق في استخدامها ضمن قيود وضوابط ، وهنا تبدأ وتنتهي حدود الحق في الخصوصية المعلوماتية ، او الحق في حماية البيانات الشخصية .

ثالثا :- والمعلومات قد تكون الخلق الابداعي للفكرة او الابتكار في تنظيم الحقائق والاوامر ، فنكون امام مصنفات وليدة الاداء الابداعي لعقول المؤلفين والمخترعين تمثل وعاء المعلومة ، فتكون لذلك وبما انطوت عليه من عناصر تتطلبها نظام الملكية الفكرية ، مادة حق الملكية الفكرية وموضعا للاستئثار المعنوي والاستغلال المادي ، فتخلق بذلك الحق في الملكية الفكرية لمصنفات المعلوماتية .

والقانون ليس بوسعه ان يكون وسيلة تنظيم الا لحق يعترف به ويكفله القانون ، وليس ثمة حماية الا حيث تتوفر المصلحة التي يحميها القانون ، لهذا كان وجود قانون الكمبيوتر مرتبطا بالاعتراف بالحق في المعلومات ، انسيابها وتدفقها وقدرة الفرد على الوصول ، لكن هذا الحق يثير اشكالية نطاق السيطرة على المعلومات عبر ما سيوفره الاعتراف بهذ الحق من مكنات وسلطات قانونية ، هذه السيطرة التي تتعارض جوهريا مع مفهوم الحق في شيوع المعلومات وقدرة أي فرد في الحصول عليها ، وهذا الى جانب ما تتصف به المعلومات من شمولية تمتد للافكار والحقائق كان وراء دعوات عدم اخضاع الحق فيها لأية قيود . لكن الحقيقة ان ما ارتبط بهذا الحق من حقوق اخرى كالحق في ملكية المعلومات والحق فيما يتصل بها من حقوق فكرية والحق في الخصوصية انما هي ليست قيودا على الحق بالمعلومات بقدر ما هي تنظيم للمكنات والسلطات التي تقع في نطاق الحق في المعلومات وتنظيم للمصالح المعترف بها قانونا في نطاق هذا الحق .

اذن ، المعلومات كيان معنوي ، يتعين الاعتراف بحمايتها بهذه الصفة وبما يتصل بها من سلوكيات واداء وانشطة استثمار . تماما كما تم الاعتراف بالمال المادي وخضع لقواعد ونظريات في الحقلين المدني والجزائي ، واساس حماية المعلومات توفير الاطار القانوني المشابه ( من حيث شموليته ونطاقه وفعاليته ) لذلك الذي وفرته التشريعات للمال المادي .

والحق في المعلومات يوجب اقرار مبادئ كفالة حرية الوصول للمعلومات واقرار قواعد بشان ضوابط استخدامها والاطار القانوني لممارسة المكنات والسلطات المتصلة بها .

وفي اطار الحماية القانونية للمعلومات ، ثمة مصلحة حقيقة يتعين ان يحميها القانون وهي حق الافراد في المعلومات ، وحقهم في سلامة ومشروعية التعامل مع بياناته الشخصية ، وحقهم في ثمرة ابداع عقولهم المتصلة بنطاق المعلومات والمفرغة ضمن مصنفات تحميها قواعد الملكية الفكرية ، وحق مالكي المعلومات ( بأشكالها المختلفة ) المصنفة او الخاصة بنشاطهم الاستثماري او التجاري وادارتهم للمعلومات التي تمثل راس المال الفعلي لمشروعاتهم ، وحق الفرد في سلامة ما يتعامل معه من معلومات سواء المرسلة منه ام المستقبلة ام المخزنة في نظامه التقني ، واذا ما حولنا هذه الحقوق الى مسميات فاننا نكون امام :- الحق في المعلومات ، الحق في ملكية المعلومات ، الحق في الملكية الفكرية للمعلومات ، الحق في الخصوصية المعلوماتية ، الحق في ادارة المعلومات ، الحق في امن التعامل المرتكز على المعلومات .

3-3 اطار الحماية القانونية للمعلومات والحماية القانونية للاداء الرقمي - توصيف للقواعد العامة لنظرية قانون الكمبيوتر .

هذه هي المصالح المتعين حمايتها والحقوق المتعين الاعتراف بها ، فاذا ما اردنا تحويلها لقواعد ( عملية ) تتصل بالمعلومات للانطلاق في رسم ملامح النظرية العامة للمعلومات فاننا نكون امام الاسس العامة التالية ( المتعين اقرارها في النظام القانوني ) :-

1- ان الفرد من حيث الاصل له الحق في الحصول على المعلومات ، وتظل الحقائق والافكار العامة ملكا شائعا للبشرية لا ترد عليها مكنات قانونية تحد من الافادة منها ولا سلطات استئثارية الا متى ما اتصلت بجهد خلقي ( ليس هو دائما المفهوم المقرر في نظام الملكية الفكرية فحسب ) يبرر الاقرار بمصالح وحقوق ترتبط بصاحب الجهد الخلقي المتصل بها . فالافكار حول تصميم موقع الانترنت تظل افكارا شائعة لا يستأثر بملكيتها احد لكن متى ما تحولت الى انماط خلقها مصمم موقع ما كانت ملكا في اطارها الابداعي هذا للشخص الذي ابتكرها ، والخوارزميات المستخدمة في البرمجيات لا يدعي ملكيتها احد ، لكن ورودها ضمن تبويب معين ينتج برنامجا مبتكرا تخلق للشخص الذي قام بذلك مكنة الاعتراف بحقه في نسبة هذا الابداع له وفي حماية استغلاله المادي ، وهكذا .

2- ان البيانات الشخصية عنصر من عناصر حماية السرية الشخصية واحترام الحياة الخاصة يتعين ان تخضع من حيث نطاق الحماية لما خضعت له عناصر حماية الخصوصية المادية ، المسكن والمراسلات وغيرها.

3- ان المعلومات ككيان معنوي لها ذات القيمة الاقتصادية للمال المادي ، يتعين ان تخضع لأحكامه وتعامل تماما كما يعامل ، فتحيطها حماية ذات الحقوق المقررة على المال المادي ويعترف لها بذات المصالح التي يعترف بها القانون للمال المادي .

4- في نطاق التصرفات المدنية والتجارية ، فان السلوكيات والتصرفات القائمة في البيئة الرقمية ( بيئة الكمبيوتر والانترنت ) يتعين ان تكون مقبولة ومعترف بها تعبيرا عن الارادة وعن الالتزام القانوني تماما كتلك التصرفات المعتبرة والمقبولة في البيئة الحقيقة متى ما تحقق لها عنصر القدرة على التعبير بشكل صحيح منتج لأثره .

5- وفي نطاق الحماية الجنائية يتعين الاقرار بصلاحية المعلومات كمحل للحماية من انشطة الاعتداء كافة ، تماما كما المال المادي المحمي ضمن نصوص وقواعد حماية الاموال ، ويتعين الاعتراف لمحيط المعلومات ووعائها التقني بالصفة المقبولة لخضوعه للتصرفات التي ترتكب في بيئة المحرر الكتابي والمستندات الخطية . ويتعين المساواة بين السلوكيات المادية في انتهاك السرية وبين السلوكيات المعنوية في انتهاك الخصوصية.

6- ان محل الجريمة المعنوي له ذات القيمة المعترف بها للمحل المادي للجريمة ، والسلوك المعنوي للجريمة تقوم به الجريمة تماما كما تقوم بالسلوك المادي فعلا وتركا .

7- ان قواعد الضبط والتفتيش في البيئة الرقمية يتعين ان تتناسب مع مميزات هذه البيئة تماما كما تناسبت قواعد الضبط والتفتيش في الوسط المادي مع مميزات وسلوكيات هذا الوسط .

8- الادلة ذات الطبيعة الالكترونية يتعين مساواتها بالادلة ذات الطبيعة المادية - الادلة القائمة على الكتابة والورق - من حيث المقبولية والحجية .

9- كلما كان التصرف المادي في البيئة الواقعية محل اعتبار يتعين الاعتراف بما يقابله من تصرف معنوي في البيئة الرقمية ، فالتوقيع الالكتروني يقتضي مساواته بالتوقيع المادي . والتصديق الالكتروني يتعين مساواته بالتصديق المادي ، وهكذا ، شريطة ان تحقق البيئة الرقمية من حيث المعايير والاجراءات المتصلة بالسلوكيات المعنوية او سلوكيات البيئة الافتراضية ما يوفر الثقة التي تحلت بها السلوكيات المادية .

10- ان البيئة الرقمية متى ما تحقق نمط ومعيار اجرائي يكفل لها الموثوقية والثقة بالسلوك في بيئتها والاطمئنان للدليل المستخلص من وسائلها يتعين ان تعامل كالبيئة الحقيقة ، وفي نطاقها يكون الحق محل اعتراف وتكون المصلحة موضع تقدير وتكون القاعدة القانونية منطقية اذ لم تقبل تمييزا بين بيئتين توفر لهما ذات المعيار من حيث الثقة وذات العناصر من حيث الاطمئنان .

11- ان المعلومات بذاتها وبما يتصل بها من سلوكيات متى ما تحقق الاعتراف القانوني بكيانها والاعتراف بما يتصل بها من تصرفات وما تنشئها التصرفات هذه من اثر ونتائج ومسؤوليات ، وما يتعلق بها من حقوق ومصالح ، حققت الاسس القانونية المقر بها ضمن قواعد كافة فروع التشريع الدستورية والمدنية والتجارية والمالية والادارية والجزائية وتشريعات حماية المستهلك ، المتعلقة بالتصرفات المادية والمحل المادي والاثار الناتجة عن هذه السلوكيات والمراكز القانونية الناشئة عنها .

12- ان المعلومات مال ، والتصرفات المعلوماتية ذات وجود وأثر ، فلا يتعين عندها ان تحرم من التنظيم التشريعي لأنها لدى الكثيرين افتراض ووهم . وبنفس الوقت لا يتعين ان تشقى القواعد القائمة في ليّ النصوص وتطويع النظريات القائمة لتستوعب المعلومات خاصة بعد ان تحقق اثرها كعماد للاقتصاد الرقمي ، ويتعين ان تصاغ النظريات بمرونة تستوعب القادم الجديد في عصر المعلومات ووسائلها فتحظى بشمولية المعالجة لتحقق سرعة الاستجابة في مرحلة اصعب ما فيها ادراك سرعة التغير وولادة الانماط المستجدة . ولا يتعين ان يحتج بالمتغيرات للهروب من مسؤوليات التنظيم التشريعي ، لان الاسس للمتغيرات امست واضحة فكثير من المستجدات لا تؤثر في صحة القواعد القائمة وغالبا ما قد يكفي معها تطوير الاطار الاجرائي وليس الموضوعي ، واذا كان ثمة حاجة لمواكبة التشريع للتغيير فلن تكون اوسع اثرا او نطاقا مما شهدته التشريعات التقليدية ذاتها من تغيرات بسبب اثار العصر ومستجداته.

ومتى ما تم الاستناد الى مثل هذه الاسس العامة جرى فض حالة التشتت والتناقض في معالجة قانون عصر المعلومات ( قانون الكمبيوتر ) وكان الجواب لكل اطار فرعي قد توفر ضمن القواعد الكلية ، فاذا ما اردنا معا ان نمتحن صحة هذا القول دعونا نتساءل مثلا :-

هل تكفي هذه الاسس لمواجة جرائم الكمبيوتر المتطورة من حيث نمطها واسلوبها يوما بعد يوم ؟؟

الاجابة طبعا بالايجاب ، لان مانع حماية المعلومات من خلال النصوص القائمة في قوانين العقوبات هو ان النصوص تعاملت على مدى الزمن الماضي مع المال المادي والمحرر المادي والسلوك المادي وهكذا ، فان قبلت المعلومات محلا صالحا للجريمة ، اما بالنص الخاص او بالنص العام الذي يساويها بالمال المادي ، واعتبرت السلوكيات المعنوية في بيئة الانترنت والكمبيوتر سلوكيات صالحة لارتكاب هذه الجرائم والجرائم التقليدية ، واذا ما قبل الدليل الالكتروني كدليل على اثبات الجرم ، واذا ما تحققت قواعد تفتيش وضبط تراعي الطبيعة التقنية لبيئة جرائم الكمبيوتر ، كانت جرائم الكمبيوتر محل تنظيم وتكون الحماية من مخاطرها قد تحققت.

لنحاول امتحان فعالية هذه الاسس مرة اخرى ، هل العقد الالكتروني في بيئة الانترنت مقبول وصالح لتحديد الالتزامات ؟؟

متى ما كان التعبير عن الارادة عبر الوسائل الالكترونية معترف به ، ودليل اثبات التعاقد مقبول ، وعنصر التوقيع من قبل الاطراف معترف به وان كان ذا سمة الكترونية ، فان العقد الالكتروني يساوي في القوة والاثر والفعالية والحجية والموثوقية العقد العادي ، ومعه تحل مشكلات الاعتراف بالتجارة الالكترونية - طبعا بعد حسم مسائلها الإجرائية الاخرى - ومشكلات الاعتراف بالاعمال الالكترونية وكذا التصرفات في بيئة البنوك الالكترونية.

امتحان آخر … هل تحقق الاسس المتقدمة حماية لشخص ادعى انه صاحب الفكرة في تصميم موقع للانترنت ؟؟

ان القواعد المتقدمة تقدم الجواب ، وهو طبعا النفي قطعا ، لان الافكار ملك شائع للكافة ، ليس ثمة سلطات او مكنات او حقوق استئثارية في نطاقها ما لم تفرغ في وعاء ابتكاري ينسب للشخص ..

ماذا عن الاعتداد برسالة البريد الالكتروني غير الموقعة ، هل هي دليل مقبول وصالح في الاثبات ؟؟

ان القواعد المتقدمة تتحدث عن دليل الكتروني يحقق معايير الثقة والموثوقية لدى التعامل به فكيف يقبل اذا ما لم يكن منطويا على التوقيع ( الذي هو هنا التوقيع الالكتروني ) او تصديق جهة ثالثة مقبولة قانونا ( جهات المصادقة الوسيطة - سلطات التوثيق )

هذه مجرد تساؤلات عامة لامتحان بعض الاسس العامة المتقدمة ، لكن امتحان الفعالية الصحيح لهذه الاسس ينطلق من الاجابة على كل تساؤل ، وهو ما تهدف مختلف اجزاء موسوعة القانون وتقنية المعلومات - التي وفقنا الله لوضعها – الى تناولها على نحو تفصيلي وشمولي .

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Facebook Comments by: ABDU_GO - شركة الإبداع الرقمية
كافة الحقوق محفوظة لـ منتدى المراجع المصرى/المحاسب القانونى محمد صفوت